فن الفكرة

عهود الأشخرية

الإنسان عبارة عن مجموعة تداخلات تشتبك مع بعضها البعض بعناية فائقة, وفي كل هذه الحالات يحتاج هذا الكائن إلى وقود مُعيّن يسيره على هذه الأرض ليعيشها كما أراد أو حتى كما أرادوا إن لم يكن واعيا بما فيه الكفاية. الفكرة جزء كبير من هذا الوعي الذي لابد أن يتشكل في تكوين الإنسان, فما هي الفكرة؟ يقول (جميس يونغ) في تعريف الفكرة: "الفكرة ليست سوى مزيج جديد لعناصر قديمة", أي أنها ليست سوى عناصر موجودة في الأساس لكن ترتبط مع بعضها بطريقة ما فتتشكل الفكرة. وفي ذات المعنى يقول (روبرت فروست): "الفكرة هي عمل ترابط", فهو بذلك يتشارك مع الأول في تعريفه الخاص للفكرة.

الفكرة هي مجموعة المصطلحات والتحليلات المختلفة التي تشكلها تجارب الإنسان, وعيه وعاطفته وهي تتطور بعد كمية المعارف التي يكتسبها الإنسان متأثرًا بعدة عوامل كالبيئة التي يعايشها متوافقة مع قدرته على التعبير والاستنتاج والمضي نحو تحقيق الهدف من هذا النتاج الذي يفرزه العقل. بالنسبة لقاموس أكسفورد فقد وضع خمس تعاريف للفكرة وهي: الخطبة أو الخاطرة, الانطباع, الرأي, الشعور، وأخيرًا الهدف, وقسمت البحوث الأفكار في - عقل الإنسان- لنوعين هما: أفكار نشطة وأفكار خاملة. أمّا عن الأفكار النشطة فهي الأفعال أو النشاطات التي يقوم بها الإنسان سواء على المدى القريب أو حتى على المدى البعيد, بمعنى آخر الأشياء التي يسير لأجلها الإنسان أو التي يتشكل بها, وأمّا عن الأفكار الخاملة فهي تلك الأفكار الميتة التي لا يوقظها الشخص إلا في حاجته إليها؛ أي أنّها موجودة لكنها في حالة جمود ذهني لا تنصهر إلا بجلبها من الحالة التي تجمدت بها. من جهة أخرى, فالأفكار الخاملة تتساوى أيضا مع الأفكار الجديدة قبل ولادتها لأنها بذلك تكون ميتة.

أمّا لو انتقلنا لأنّ الفكرة متوارثة عبر الأجيال فهنا سأذكر القصة التي حدثت في يناير 2014, وأثارت ضجة كبيرة في الإعلام المحلي والعالم, حادثة المرأة الكندية (شارون كامبيل) التي تعرضت لحالة إغماء حين سقطت من على ظهر حصان في مدرسة ركوب الخيل التي تديرها لتجد نفسها تتحدث بلكنة أسكتلندية, إضافة إلى أنها تستخدم تعبيرات وإشارات أسكتلنديّة أثناء حديثها, الغريب في هذا أن (شارون) لم تذهب في حياتها إلى أسكتلندا, ومن خلال البحث والتقصي الذي قام به المهتمون آنذاك؛ أُكتشف أنّ هذه المرأة ابنة لعائلة مهاجرة أتت إلى كندا قادمة من أسكتلندا منذ 100 عام. الجدير بالذكر أنّ هذه ليست الحالة الوحيدة في العالم, بل أصابت حوالي 60 شخصًا, وأطلق عليها متلازمة "اللكنة الأجنبية" وجميعها كانت إثر إصابات في الرأس الذي فيه تتشكل الفكرة. إن هذه الحادثة التي تعتبر نادرة بشكل عام تأخذنا إلى زاوية أخرى في قضيّة الفكرة وهي مرتبطة بتعاريف كل من (روبرت فروست) و(جميس يونغ) حول أنّ الفكرة مكتسبة من أشياء أخرى ولا يمكن أن تنشأ من العدم؛ حيث إننا في طرحنا لذلك يجب أن نذهب لمصطلحات أكثر تجذرًا في فن الفكرة, وأسميه فن لأنّه يجب أن يكون كذلك, مثل أي فن آخر كالرسم والموسيقى والكتابة, وإلى النظريات المختلفة حول الفكرة التي طرحت في وقت ما أنّ الأفكار تُستمد مباشرة من القلب, إلا أن هذه النظرية تم نفيها؛ حيث إنّ أحدث البحوث أثبتت أنّ مصدر الفكرة طاقة كهربائية تأتي على قدر حجمها وتأكد أنّ الفكرة ملتصقة تماما بالدماغ حتى وإن تأثرت بالأحاسيس والعواطف.

وهذا الأمر كله في النهاية يعتمد على مجموعة الخبرات والمعرفة التي يكتسبها الإنسان, حيث إنّ العالم قائم على الفكرة, الإنسان بحد ذاته مجموعة أفكار وصفات وجدت ذات صدفة في هذا الكون فبدأ يمارس حياته حسب الطريقة التي فهم بها الرسالة، لكن هذا الأمر لا يأتي إلا عندما يتحرر الإنسان من أفكار الآخرين التي تلقاها منذ الصغر في البيت أو الدرسة أو البيئة المحيطة, حينها فقط يبدأ يستقل بفكرته الخاصة التي يستطيع لأجلها مواجهة حقيقته, أو قضيته. (فرانسيس كارتير) يقول: "يوجد طريقة واحدة يمكن للمرء فيها أن يكتسب فكرة جديدة, وذلك بواسطة ربط فكرتين أو أكثر موجودتين أصلا في تجاوز جديد بطريقة يمكن اكتشاف العلاقة بينهما, والتي لم تكن على علم بها من قبل", فبشكل عام العالم جاء نتيجة فكرة, وبشكل خاص التعبير عن الإنسان, حيث يستطيع أن يحول نتاج عقله إلى فكرة حية بمجموعة الانفعالات التي تنشأ من ارتباطه بالواقع والخيالي, وبذلك يمكن للأشياء أن تتكامل في هذا النطاق.

Ohood-alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك