معين السياسة العمانيّة

د. محمد الشعشعي
وتغنى بهذا البلد من تغنى، وكتبت عنه أقلام الكتاب والمؤرخين والرحالة والمستشرقين، ووصفه الأنبياء بصفات المروءة والأخلاق والأدب .
نطق باسمه المفاوضون وذكره وقت الشدائد الممحونون.. ذكر هؤلاء عمان عند المحن لأنّهم يعلقون عليها الآمال الكبيرة بأن تبعد عن بلدانهم المحن الخطيرة وشرورها المقيتة الدفينة.
يدها الطولى ونهر خيراتها الدفاق خر خريره لتتدفق ثمراته ونباتاته الزكية وأزهارة الندية على ضواحي النهر يمينه وغربه وتصل خيرات نهر عمان الخير إلى أعماق الفيافي البعيدة في الصحاري والعلالي وفي الكهوف والجبال، وفي الشواطئ والسواحل وإلى أعماق البحار.
يذكر هذا البلد الطاهر من اشتد ويله وعلى صوت شعبه ومناداته للعالم طالبًا للسلام ومناشدًا بإيقاف الحروب والدمار فيقصد حينها عمان لأنّها دولة المصالحة بين الخصام وتسعى للسلام والوئام بين بني الإنسانية جمعاء.
عمان هذا البلد العريق في أصالته والحديث في آفاقه والمتزن في تعامله وسياسته ونظرته الثاقبة التي لاتنظر إلى الأحداث من زاوية واحدة ضيقة وعاطفيّة لكن تنظر إلى القضايا نظرة شاملة فاحصة حصيفة مستنيرة من القراءة العميقة للأحداث التي يسيرها العقل والمنطق، لا الغرائز والعواطف.
السلطنة خاضت من التجارب على مر التاريخ التي ورثتها لها الإمبراطورية العمانية من الألف الثالث قبل الميلاد وحتى ميلاد النهضة الحديثة وكل ما تخلدة تلك الحضارات والأحداث التي توالت على عمان إلا لتكسب هذا البلد معارف متراكمة وعظات وعبر استفادت منها الدولة اليوم وأفادت بها الآخرين في تعاملها مع جل القضايا والملفات الساخنة والخطيرة .
نعلم أنّ هناك من ينظر إلى عمان أو بمعنى أدق إلى السياسة العمانية بأنّها لازمة الحياد والصمت والبعد عن الأحداث أي أنها لا لها ولا عليها، لكن اليوم عندما ازدادت تعقيدات القضايا واشتعلت الحروب وانفجرت الثورات وهاجت الشعوب، أدرك هؤلاء أن عمان بلد المستغيث من رمضاء القلاقل وويلات الحروب في وقت تغيرت فيه كل موازين السياسة وتبدلت قواعد ومرتكزات الدول، وأثرت على السياسة عوامل أخرى منها الوعي المعرفي والإعلام الجديد وهيجان الشعوب والمجتمعات ومدى التفافها حول حكامها أو ضدها . فما حدث مؤخرًا في بلدنا من مسيرات جيّاشة، ومشاعر فيّاضة رجت بها البلاد إلا لتعطي رسالة قوية إلى الخارج بمدى التفاف هذا الشعب حول سلطانه في وقت تثور فيه بعض الشعوب ضد حكامها .. رسالة كانت قويّة ومؤثرة في توقيت صعب لا تحسد عليه المنطقة هذا التماسك الجسدي الواحد الذي يجسد معنى اخر لقوة اللحمة الوطنية التي تسير خلف الرمز والقائد الكبير الذي استطاع بحكمته أن يحافظ على هذا النسيج المتناغم من أي تأثير خارجي مقيت لأنه أبقاه الله زرع في التربة العمانية بذور التوافق وطيب التعامل وحسن الخلق والتسامح والسلام، فالبذرة الطيبة لا تنبت إلا طيبا والتربية العمانية الطاهرة كما قال جلالته لا تقبل نباتات الفتنة الكريهة السامة.
هذا المنهج العماني رفيع في مستواه،عميق في فكره، متزن في تعامله مع كل أطراف النزاع، يبتعد دائمًا عن العواطف أو الانحياز إلى أي من أطراف الخصام، لانجعل الأصدقاء لنا خصوما، ولا نريد أن يصبح أشقاؤنا عدوانا، ولا نرضي بغير الحق ميزانًا نرفض التدخل في شؤون الآخرين، ونرفض تدخل الآخرين في شؤوننا، لا نبحث عن الخلاف والشقاق والفراق لكننا نريد الصداقة بين الدول والاتفاق، لاننتظر التقييم والقبول من الآخرين لكن مكانتنا ستفرض نفسها حتمًا عند المتخالفين والمتحاورين ومبادرتنا استبصر بها في تقريب وجهات نظرهم لمناقشة ملف من أخطر الملفات ومحادثات من اعقد المحادثات فما إن كان الاتفاق حتى تسابق لنا العظماء وشرحوا لعمان ما تحت الغطاء مقدرين حكمة السياسة العمانية والذكاء .
الموقف العماني النابع من معين السياسة العمانية المتزنة وبغض النظر على من أشاد بهذا الموقف أو انتقده، لكنه نابع من التجربة العمانية، وهذه التجربة أثبتت للعالم نجاحها ومكانتها على المستويين، الإقليمي، والدولي ولهذا يتطلع هذه الأيام السياسيون والمتابعون بعيون متأملة إلى الدور العماني لإنهاء الصراع والخروج بحلول سلميّة قبل أن تصل هذه الأزمة إلى مستنقع الفوضى والحرب الطائفية والأهلية حينها ستعصف باليمن إلى مسرح الفوضى التي قد تمتد إلى بعض الدول المجاورة. من هنا كان الموقف العماني متنبهًا وحازمًا وشجاعًا بعدم المشاركة في حرب عاصفة الحزم ،وكما قال معالي يوسف بن علوي عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في لقاء مع إذاعة الوصال "لن نجعل التاريخ يكتب أنّ عمان اعتدت على اليمن في يوم من الأيام".

تعليق عبر الفيس بوك