مناقصات مليونيَّة

 

خالد الخوالدي

لم يعد المليون في عُمان ذلك الرقم الصَّعب الذي كُنا ننظر إليه بعين الدهشة والاستغراب؛ حيث إنه ومع الأيام دخلنا مُعترك عالم المليارات التي تُصرف في مشاريع تنموية وخدمية قد لا تكلف هذا المبلغ في حالة وجود منافسة حقيقية ومفتوحة، ويتم فيها مخاطبة كل الشركات العالمية ذات الاختصاص.

ومن المسلمات التي لا تقبل الحديث فيها بمزيد من الفلسفة والتوضيح أنَّ بعض المناقصات الحكومية لدينا مُبالغ فيها، ولعل القارئ غير المتعمق في أمور الاقتصاد يدرك أن هناك مبالغات ، خاصة من  الشركات -العالمية منها والمحلية- وعدم وضع شروط تجبر هذه الشركات على الالتزام بمبالغ معينة وأسعار قريبة من المعقول وعدم فتح الباب لشركات أخرى عالمية لدخول السوق خوفا على الشركات المحلية كما يزعمون، في حين أنَّ هذا الخوف لا يتوافر على أموال الدولة، ومما يزيد الطين بلة عدم وجود نية للحكومة حتى الآن -كما هو ظاهر- في إنشاء وزارة للأشغال؛ الأمر الذي يجعل السوق محصورا في شركات بعينها تتحكم في المشاريع.

 .. إنَّ تنفيذ المشاريع بهذه التكلفة الباهظة يدعو إلى الريبة والشك ويجعل حتى المواطن البسيط يتحدث بلغة العارف المتيقن أنَّ في الأمر (سر) ويتأكد هذا السر في بعض المشاريع التي يصرف عليها مبالغ خيالية، ثم يظهر لها أوامر تغييرية. وما يحزن أن هذه المشاريع تظهر في النهاية وبها من العيوب ما يجعلها تحتاج إلى إعادة بناء من جديد أو صيانة ولا أود أن أضرب أمثلة على هذه المشاريع؛ فهي كثيرة وموجودة في كل محافظة، ويعرفها المسؤول والمواطن العادي الذي ليس له ناقة ولا جمل في الهندسة والتصميم.

ولا أدَّعي أنني أملك الحلول لهذه الإشكالية، إلا أنني سوف أطرح في هذا المقال الحلول التي ذكرها الكاتب والأديب غازي القصيبي في كتابة "حياة في الإدارة"؛ حيث يقول: "إني كنت ولا أزال من المؤمنين بأن المناقصة هي أفضل طريقة لضمان العدالة بين المتنافسين للحصول على أفضل الأسعار، إلا أنه لكي تحقق المناقصة هدفها لابد من توافر شرطين مهمين؛ الشرط الأول هو أن تكون لدى الجهة الحكومية فكرة دقيقة جدا عن تكلفة المشروع، وبدون هذا الشرط يمكن أن ترسو المناقصة على صاحب عطاء منخفض يقل عن التكلفة الحقيقية بكثير؛ مما يتسبب في تعثر المشروع، والشرط الثاني هو أن تتأكد الجهة المعنية أنَّ الفارق بين عطاءات المتنافسين يبقى ضمن حدود مقبولة 25% مثلا؛ فعندما يكون هناك عطاء بعشرة ملايين وعطاء بمائة مليون؛ فلابد أن يكون هناك خللٌ رئيسيٌّ قد يبرر إلغاء المناقصة وكثيرا ما يكون هذا الخلل اتفاقا سريا بين الشركات المتنافسة، ويخصص العقد مقدما لواحدة منها ولضمان؛ ذلك تتقدم الشركات الأخرى بعروض خيالية".

إنَّ مجلس المناقصات مطالب بأن يُدرك أنَّ فتح المجال للمزيد من الشركات للدخول في سوق السلطنة ومن مختلف دول العالم مسؤوليته، وعليه أن يبحث عن الجديد، لا أن نرسخ للشركات الموجودة ، وأن تكون دعوة الشركات العالمية مبنيَّة على التنافس الشريف بعد أن يكون للمجلس مهندسون على مستوى عال من المهارة والحرفية في معرفة كل مشروع كم يُمكن أن يكلف.. وأن يكون هناك إشراف مباشر من المجلس على هذه المشاريع حتى يتم الانتهاء منها؛ فيكفي هدرا للمال العام، ويكفى ما تدفعه الشركات من رشاوى كما ظهر في قضايا عديدة ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة، خاصة فيما يخصُّ قضايا النفط والغاز.  

 ودمتم ودامت عمان بخير!

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك