الطفل السعيد في العالم غير المتكامل

ليلى البلوشي

ذهب ستيفن هاريسون في كتابه (الطفل السعيد) إلى أن أنظمتنا التعليمية التربوية نابعة من أصل النظام البروسي في القرن التاسع عشر، فقد خضع سكان بروسيا لنابليون ولم يكن ذلك لصالحهم، فكان عليهم أن يبدأوا بتعلم الفرنسية أو الخضوع والاستسلام. لم يحارب سكان بروسيا جيدا ولعلّهم لم يكونوا مقتنعين بجدوى الحرب، فكان من أهداف النظام البروسي غرس الطاعة في نفوس الشعب ولكنّه أيضًا كان مصممًا لإيجاد مستوى أقل من الإبداع من أجل قولبة عقول الشباب وتعويدها على الخضوع للسلطة بإجبارهم على عدم التفكير كثيرا!

كيف تستطيع أن تخضع المواطنين لفكر معين؟

هنا يطرح هاريسون الأسلوب الذي يغرسه النظام التعليمي في جيل المواطنين فيقعون في فخ السلطات، ويتجلّى ذلك الأسلوب في تحطيم حواسهم ورغباتهم القويّة واستبدالها بالطاعة للحكومة. إنّ الأنظمة السلطوية أكثر فاعلية حتى في التعليم، ولهذا كان النظام البروسي منظما وقابلا للقياس وبعد فترة من الزمن أصبح مشهورًا، فوصل إلى بلداننا حيث تطور وأصبح يشكل نظامنا التربوي الحالي، إنّه نظام لكنّه ليس للتعلم بل لتحطيم رغبة الطفل وحبه، ويكمن هدفه في تطبيع الطفل ليسير في فلك الدولة كما يهدف النظام أيضًا إلى إنتاج عمّال، لذا فإنّ هدف النظام البروسي في القرن التاسع عشر هو إعداد نسبة ضئيلة من الطلبة ليصبحوا قادة، أمّا الأغلبية فهم لخدمة القادة وبقيّة الطلبة لا يصلحون للتعلم فيتم تحويلهم إلى عمال، لقد كان النظام التربوي مصمما لإعداد الطلبة لصالح الحكومة والحكومة موجودة بالطبع لخدمة مصالح النخبة الذين يصممون المدارس! بينما الطلبة الذين يستطيعون الجلوس في الصف الأول والإجابة عن أسئلة المعلم هم الذين سيرتفعون إلى القمة، والنظام بالنسبة لهم يعمل عملا يستحق الإعجاب وسيستمر هؤلاء الطلبة بالدفاع عن النظام طيلة حياتهم التي يتمتعون فيها بالامتياز والسلطة، أما بالنسبة لعمال المستقبل والشعراء والطلبة غير الممتازين المرتبكين والغاضبين والذين لحق بهم أذى فقد حدث لهم أمر آخر، لقد أرغموا على العيش في نظام ثقافي يقول أنت لا تستطيع أن تفعل ما تحب أن تفعله ولكن بوسعك أن تفعل شيئًا يمكنك من البقاء!

ونتيجة التعليم الذي لا ينتج في النهاية سوى المزيد من العمال الخاضعين لسلطةٍ ما في مجتمعاتهم، فإنّ الحكومة اليابانية بدأت بمراجعة نظامها التربوي لخفض عدد الساعات التي يقضيها الطلبة في المدارس بنسبة الثلث وتجنّب أسلوب الحفظ غيبًا في التعليم، وعلاوة على ذلك فقد أدخلت الحكومة فترات دراسية قصيرة يوميًا يقوم فيها الطلبة بممارسة التفكير الإبداعي ومتابعة اهتماماتهم بأنفسهم من أجل حفزهم لحب الحياة.. لماذا بدأت هذه الدولة التي تحتل المرتبة الأولى في العالم في العلوم والرياضيات بتعديل نظامها التربوي؟

لقد ذكرت مجلة وول ستريت أنّ الرئيس شركة آي بي إم في آسيا قال: نحن بحاجة إلى نوع من الناس قادر على ابتكار أشياء جديدة وقادر على مواجهة التحديات المعاصرة وقادر على التفكير في كيفية التوصل إلى نتائج جديدة، ولسنا بحاجة إلى أناس يحصلون على درجات عالية.

يوجد في اليابان أيدي عاملة كثيرة ولكنّها تعاني من نقص شديد في المفكرين المبدعين ورجال أعمال وحتى الناس العاديين لتلبية احتياجاتها في الاقتصاد في الفترة اللاحقة للتطور الصناعي، ولا يقتصر الأمر على حاجة الشركات والمؤسسات إلى مبدعين لحل مشكلاتها بدلا من موظفين قد تدربوا على السمع والطاعة والتقليد وعدم التفكير والجلوس دون حركة وكأنهم ينتمون إلى عصر صناعي قديم.

فمن الواضح أنّ حياة الفرد تصبح أفضل بفضل التعلم الذي يشجع الإبداع ويطور الثقة بالنفس ويشجع العلاقات بين الناس، كما أنّ وجود الفرد المبدع أفضل للمجتمع بشكل عام.

أمّا النظام التربوي التعليمي القائم على الخضوع للسلطة وهدم مواهب الطفل وقدراته في التفكير فهو يلفظ طفلا بل يلفظ جيلا غير قادر على كفاح تحديات المستقبل، بل إنّه وكما يرى هاريسون فالطفل الذي لم يدرب على مبدأ السلطة فهناك فرصة لأن يكون سعيدًا فعلا ومبتهج القلب ومبتسمًا كل صباح؛ لأن يوما جديدا آخر مفعما بحب الاستطلاع والإبداع والعلاقات ينتظره.

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك