على عَجَل

مريم العدوية

"الوقت أثمن من المال؛ يمكنك الحصول على المزيد من المال، لكن لا يمكنك الحصول على المزيد من والوقت"

جيم رون

من عدالة القدرة الإلهية أن يكون لكل إنسان على وجه الأرض أربعة وعشرون ساعة في اليوم، ولا يشعر بقيمة هذه الساعات إلا من كان عمله وإنجازه محدوداً بفترة زمنية معينة لتسليم شيءٍ ما. تتعالى صرخات ربات البيوت، والرجال والأطفال جميعهم لا يجدون وقتاً لقسطِ من الهدوء والاسترخاء أو أداء بعض الأمور المحببة لأنفسهم. ومن جانب آخر بات العذر غير القابل للشك هو لا وقت لدينا نقذفه في وجوه المعاتبين من الأصدقاء والأهل الذين لا يكفون عن الشكوى لفرط ما قصرنا في أداء حقوقهم علينا، فلم نعد نواسيهم في أحزانهم ولا نشاركهم أفراحهم كما ينبغي.

فهل حقاً ضاقت علينا الأربع والعشرون ساعة إلى هذا الحدّ؟ وبتنا في صراع دائم من الصباح وحتى المساء مع الزمن الذي لا يكتفي بقص أعمارنا بل ويردينا متعبين لا نلوي على شيء. وأكثر ما قد يزعجنا في اللحظات التي نستذكر فيها جدول أعمالنا الفائت القائمة الطويلة التي كان من نصيبها التأجيل، أشياء تبدو أحياناً تافهة تلك التي نتمنى لو نحظى بها ولكن سيف الوقت يأبى أن يمنحنا إياها. أن نمتلك بعض الوقت للقراءة أو أن نخرج للمشي كل يوم. وهنا ينبه باولو كويلو قراءه قائلاً: "يوماً ما ستستيقظ ولن يكون لك متسع من الوقت لتفعل ما أردت دوما عمله". والسبب طبعاً مخالفة الأثر العربي القائل: "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد". فما يدرينا أن أجلنا للغد أن يكون في الغد متسعُ لأرواحنا!

في الحقيقة الساعات هي ذاتها التي يديرها البعض بذكاء ومرونة ضاغطين على رغباتهم الداخلية بالميول نحو الكسل والتأجيل التي نملكها نحن من جانب آخر ونزهقها دون جدول محدد أو تخطيط، ولذا ينجز أولئك الذين ملكوا أوقاتهم أكثر من الذين جعلوا من أنفسهم عبيداً تحت سيف الوقت يحركهم كيف شاء.

إنّ التخطيط الجيّد ورسم خط الأولويات من الأهم للمهم، وتقسيم الوقت وإعطاء كل ذي حق حقه من الروح إلى الجسد وعدم نسيان حق العمل والأهل والأصدقاء والمجتمع يجعل من الأربعة والعشرين ساعة دهراً لا ينتهي! وفي الحديث الشريف عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله - صلّ الله عليه وسلم - : "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين أكتسبه؟ وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به؟ ". وما العمر سوى الوقت الذي إن لم نضيّق عليه عملاً وإنجازاً ضاق بنا حسرة وندامة.

والأوقات الجميلة تشكل حياة لا تنسى؛ فكيف للوقت الذي استمتعنا به أن يمر مرور الطيف؟ وما أدق عبارات وليم شكسبير في ذلك حين قال: "الزمن بطئ جداً لمن ينتظر، سريع جداً لمن يخشى، طويل جداً لمن يتألم، قصير لمن يحتفل، لكنّه الأبديّة لمن يُحب". إنّه لا يمر بل يُبقى في الذاكرة نشوة وغبطة تجعلنا نعشق الاستيقاظ كل يوم؛ لأنّ ثمة ما ينادينا لننجزه. كما إنّ علينا استغلال الفرص متى جاءت ولنكن على أهبة الاستعداد دائما وكما يقول نابليون هيل: "لا تضيع الوقت في الانتظار فالوقت المناسب لن يأتي، أبدأ من حيثُ تقف واستعمل ما تحت يدك من أدوات وكلما تقدمت في طريقك ستعثر على أدوات أفضل مما كان معك حين بدأت"؛ فالبعض ينتظر دائماً تحسن الظروف ليبدأ بعمل ما وفي خضم انتظاره الطويل سيجد ذات يوم نفسه صفر اليدين من الإنجاز والوقت على حد سواء. وفي سورة النساء، الآية 103، يقول الله جلّ وعلا: "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" جاعلاً سبحانه وتعالى للصلوات الخمس أوقاتاً محددة تضبط حياة المسلم وتلفت انتباهه لأهمية الوقت فلا صلاة في غير وقتها المحدد. كما أقسم الله تعالى في بداية سورة العصر بالوقت قائلا سبحانه وتعالى: "والعصر إن الإنسان لفي خسر". إن كنت الأمير من العامل إن كنت السعيد أم الشقي فنصيبك من الوقت واحد ولكن طعمه يختلف كيفما تسعى وتعمل.

تعليق عبر الفيس بوك