ندوة تطور العلوم الفقهية توصي بتفعيل مناهج الاجتهاد وتقييم النماذج الفقهية ومواكبة فقه الأسرة

* التأكيد على تطور المدرسة الفقهية العمانية وإسهامها في معالجة نوازل الأمة

* ترسيخ قيم الإسلام الحنيف ودعوته إلى الرحمة والعدل والرفق والسماحة

* تعظيم الرسالة الروحية والتربوية والعلمية للمؤسسات الدينية والإعلامية

* ردم الهوة بين علماء الفقه الإسلامي وعلماء القانون

المشاركون يرفعون أسمى آيات الثناء والحمد على عودة صاحب الجلالة إلى الوطن سالمًا معافى

أوصتندوة تطور العلوم الفقهية التي استضافت السلطنة فعاليات نسختها الرابعة عشرة في الفترة من الخامس وحتى الثامن من الشهر الجاري تحت عنوان: "فقه العصر: مناهج التجديد الديني والفقهي"، أوصت في جلستها الختامية أمس بدراسة النماذج الفقهية التجديدية في تراثنا الفقهي والإفادة من جهود الاجتهاد الإنشائي وإبراز القواسم المشتركة بين المدارس الفقهية والاتجاهات، وتوحيد المصطلحات.

ودعا المجتمعون في توصياتهم إلى ضرورة إبراز رسالة العلماء ودورها في تحقيق الوحدة والأخوة وترسيخ قيم الإسلام الحنيف، وتعظيم الرسالة الروحية والتربوية والعلمية للمؤسسات الدينية والإعلامية، بالإضافة إلى متابعة ومراجعة المناهج والبرامج التعليمية. وأمّنوا على المشاركة في حركة الإحياء والتجديد التي تستدعيها ضرورات الواقع وتطورات العصر.

وقدمت في اليوم الختامي الذي رعى فعالياتهسعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الافتاء عدة أوراق عمل تتعلق بفقه العصر في مجال الأسرةوالتجارة الإلكترونية والتبرع بالأعضاء.

الرؤية - محمد قنات

كما أوصت الندوة بضرورة تفعيل مناهج الاجتهاد التي قررها علماء الأمة في الكشف عن أحكام القضايا المعاصرة والنوازل المستجدة التي تقع، حتى نجمع بذلك بين قراءة المصادر والأصول وتفهمها واتباعها، والمعاصرة في التطبيق والتنزيل، وتوحيد المصطلحات وضبطها في المدارس الإسلامية لفهم اجتهادات الفقهاء، إذ العيش المشترك لا يتحقق إلا بمعرفة الأصول المتفق عليها بينهم، إلى جانب التأكيد على معالم النهضة العمانية في إطارها الفقهي والثقافي والعلمي، وتطور مدرستها الفقهية وإسهام علمائها في معالجة نوازل الأمة في كل عصر، وعبر الحقب والأزمان مما يعطي فكرا دينيا متجددًا، وعطاءً إنسانيًا متدفقًا، جديرًا بالدراسة التاريخية والفقهية استكمالا لهذا الإرث، وامتدادًا لهذه الحضارة العريقة.

أهمية التجديد

وأكدت التوصيات على أهمية التجديد وأنه لا يقتصر على الأحكام الفقهية بل يتجاوزها إلى مناهج الاجتهاد في أصول التشريع الإسلامي وأدوات الاستنباط الفقهي، كالعرف الصحيح، والمصالح المرسلة، والاستحسان، وسدّ الذرائع ونحوها من أجل إظهار قدرة الشريعة الإسلامية على إصلاح الحياة، وأشار المجتمعون في توصياتهم إلى ضرورة مراعاة مقتضيات التجدد والتغير والتقدم، وتفعيل العمل الفقهي في المجالات كافة، والمشاركة في حركة الإحياء والتجديد التي تستدعيها ضرورات الواقع وتطورات العصر وحاجياته المختلفة، وذلك عبر تنشيط مراكز العلم وهيئات الإفتاء، من أجل تعميق الدراسات الفقهية المتعلقة باستخدام التقنيات الحديثة والاكتشافات المعاصرة في المجالات الاجتماعية والطبية والقضائية والمالية، والإسهام في تطوير النظم والتشريعات الفقهية التي تيسر العمل بها.

وأشارت التوصيات إلى أن مرتكزات البحث في معالجة فقه العصر هي قرآنية إنسانية اجتماعية أخلاقية، فالقرآن الكريم في جميع توجيهاته راعى الواقع الإنساني، وتعامل مع الإنسان انطلاقا من واقعه ومجتمعه المحيط به، ومن هنا تتجدد الرؤية الواضحة للقضايا المطروحة في هذه الندوات.

ورأت التوصيات إنّ الاجتهاد في تطبيق النصوص الشرعية، لا يقل أهمية عن الاجتهاد في فهم نصوص الشريعة، فتطبيق الأحكام يحتاج إلى تبصر ونظر، من خلال الالتفات إلى فقه المآلات، والعلم بطبيعة الواقع، ومراعاة المصالح والمفاسد، وربط الحكم التكليفي بالحكم الوضعي، وذلك حتى يكون تنزيل الأحكام موافقًا لمقصود الشارع منها.

وأمّنت توصيات الندوة على أهميّة دراسة النماذج الفقهية التجديدية في تراثنا الفقهي، وتقييمها ضمن إطارها التاريخي، وتحديد منهجية الاستفادة منها وتطويرها، والتفكير في الإفادة من جهود الاجتهاد الإنشائي الذي سارت عليه هذه الندوة، وما ظهر وتتابع في الندوات على مدى العقد ونصف العقد، في إنجاز موسوعة جديدة تستوعب المناحي التجديدية في فتاوي العلماء ودراساتهم المعاصرة، وما قدمته المجامع الفقهية في شتى الموضوعات المتميزة بالجدة والأصالة وعمق البحث، ومواكبة فقه العصر، وما طرأ في حياة المسلمين من تغيرات إضافة لتعزيزُ الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية والتعارف الإنساني، وإبراز القواسم المشتركة بين المدارس الفقهية والاتجاهات الشرعية المعتبرة؛ وتأكيد كونها مقوم نجاح وعنصر ثراء ومصدر قوة، والعمل على نبذ التعصب والتفرق، وترك الاختلافات اللفظية والجدل الذي يورث ما لا تحمد عقباه.

ترسيخ قيم الإسلام

وأكدت التوصيات أيضاً على ضرورة إبراز رسالة العلماء في تحقيق الوحدة والأخوة والتنمية والتزكية والإصلاح، وتبليغ صوتهم في منع العنف والغلو، وترسيخ قيم الإسلام الحنيف ودعوته إلى الرحمة والعدل والرفق والسماحة وإحياء رسالة الوعظ والإرشاد في العصر الحديث، وتعظيم الرسالة الروحية والتربوية والعلمية للمؤسسات الدينية والإعلامية، وتجديد الشأن الديني في ذلك، بحيث يكون متصلا بحياة الناس وملامسًا للواقع، ومتابعة المناهج والبرامج التعليمية ومراجعتها دائما، بحيث تكون مؤثرة في عقول الشباب ومتفاعلة مع قضايا العصر والاهتمام بالنواحي الروحية والأخلاقية والتربوية في فهم الكتاب والسنة والاجتهادات الفقهية، بما يؤدي إلى التأثير في الباحثين الشباب بطرائق إيجابية، ويدخل روحا جديدة في المناهج والطرائق المتبعة في تثقيف الأجيال وتربيتهم وتعليمهم إلى جانب أهمية التعاون بين علماء الفقه الإسلامي وعلماء القانون من أجل ردم الهوة بينهما، وتنظيم لقاءات دورية لتحقيق التقارب بما يسهم في ترسيخ العدالة، مع إمكانية التعاون في تدوين الفقه الإسلامي نتيجة لهذه اللقاءات، كما أشارت إلى أن الحسبة تحتاج إلى تطوير شكلي وموضوعي تحدد فيه اختصاصاتها والعلاقة بينها وبين المؤسسات الأخرى، وكيفية الاستفادة من وجود كل منهم، وأن يوجد مركز أبحاث لدراسة الحسبة، والعمل على تطويرها وكيفية الاستفادة من وسائل الإعلام في هذا المجال.

فقه الأسرة

وخصصت الجلسات في اليوم الختامي للندوة لفقه العصر في مجال الأسرة حيث قدم الدكتور سيد مختار عاقلوف - مدير قسم الدراسات الإسلامية بجامعة طشقند الإسلامية (أوزبكستان) ورقة عن "فقه المغتربين في الأحوال الشخصية للمسلمين" قال فيها:" إن موضوع حقوق المسلمين والمشكلات التي يواجهها المسلمون خارج الدول الإسلامية من الموضوعات التي تثير الاهتمام البالغ لدى كل إنسان مسلم سواء كان مقيما في البلاد غير الإسلامية أم أقام بها لمدة قصيرة. من المعلوم أنّ عصر العولمة وضعت متطلباتها الخاصة أمام العالم وخاصة أمام العالم الإسلامي. حيث نرى نشوء الأفكار المشوهة عن الإسلام والمسلمين كما نرى أنه تتعرض شعور المسلمين وأعراضهم للاستهانة في بعض الدول الغربية.

تنامي الإسلاموفوبيا

وأضاف أن الإحصاءات تشير إلى أنّ عدد المسلمين في العالم يزيد بسرعة شديدة سواء كانت في البلاد الإسلامية أو غيرها، وهذا يسبب نشوء مشكلات تتعلق بممارسة الحقوق الدينية في المجتمعات غير الإسلامية. وأن مازاد "الطين بلة" الأحداث التي وقعت في باريس مما جعلت مشاعر الاسلاموفوبيا تتزايد في دول أوروبا. كما جرت تظاهرات في ألمانيا تدعو بصراحة إلى التزام المسلمين بما تقتضي به الثقافة الألمانية أو مغادرة هذه البلاد؛ وهذه ظاهرة من مظاهر اضطهاد حرية الاعتقاد الإسلامي في الغرب.

وبين أنّ مصطلح "الأحوال الشخصية" يفيد المفاهيم والأحكام التي تتصل بعلاقات الإنسان بأسرته وهي تشتمل الخطبة والزواج والمهر ونفقة الزوجة وواجباتها والرضاع والطلاق والتفريق القضائي والخلع وولاية الولد والتركات والميراث والوصية والوقف وغيرها من القواعد والأحكام الشرعية حيث لم يكن مصطلح "الأحوال الشخصية" متداولا في الماضي بل كان جميع الأحكام والقوانين بشكل مختلط. قد ظهر هذا المصطلح أولا في إيطاليا في القرن الثاني عشر. وكان في ذلك العصر مشكلات "نزاع القوانين" وأوضح من خلال الورقة أن المقصود بالأحوال الشخصية هو اصطلاح قانوني أجنبي يقابل الأحوال المدنية أو المعاملات المدنية، وقسم الجنايات. وقد اشتهر في الجامعات، وأصبح عنوان التأليف في أحكام الأسرة ويراد به الأحكام التي تتصل بعلاقة الإنسان بأسرته، بدءاً بالزواج، وانتهاء بتصفية التركات أو الميراث، كما عرفها الاستاذ وهبة الزهيلي.

فقه المغتربين

وذهب إلى أن هناك مشكلات يعاني منها المسلمون في كل مكان، وفي داخل (دار الإسلام) نفسها، أي في قلب المجتمعات الإسلامية في العالم الإسلامي. بعضها مشكلات فردية، وبعضها مشكلات أسرية، وبعضها مشكلات اجتماعية. وبعضها مشكلات اقتصادية. فلا غرابة أن تشكو الأقليات الإسلامية في بلاد الغرب ونحوها، مما تشكو منه الأكثريات الإسلامية في بلاد الإسلام نفسها وهذا يسمي بفقة الأقليات أو (فقه المغتربين).

وعن المشكلات الفقهية للمغتربين قال منها، ماهو سياسي من جراء ظلم الأكثرية على حقوقها، وعدم رعايتها لخصوصيتها الدينية وبعضها اقتصادي خاصة وأن كثيرا من مشكلات المسلمين لها طابع فقهي، و ذلك ناشئ من رغبة الأقليات المسلمة في تلك البلاد في التمسك بهويتها الدينية، وعقائدها الاسلامية، وشعائرها التعبدية، وأحكامه الشرعية فى الزواج والطلاق وشؤون الأسرة، ومعرفة الحلال والحرام فى أمور المطعومات والمشروبات والملبوسات، وسائر المعاملات، وشتى العلاقات بين الناس، وخصوصا غير المسلمين وتسأل هل ينعزلون عنهم أو يندمجون فيهم؟

الفحص الطبّي قبل الزواج

ومن جانبه قدّم د. سلطان بن محمد بن زهران الحراصي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية - مكتب الافتاء ورقة بحثيّة بعنوان الكشف الطبي لراغبي الزواج "معناه، مشروعيته، آثاره" ابتدرها بقوله إنّ الشريعة اهتمت بحفظ النفس، وراعت صحة البدن، خاصة وأنّ نعمة الصحة والعافية تلي نعمة الإيمان، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير، وقد اهتم الإسلام بالعلاج الوقائي، وحذّر من الأمراض المعدية، والتي تضر بالفرد والمجتمع، وأمر بانتقاء النطفة الطيبة التي تحقق المقصد الأهم من الخلق والوجود، وهو تحقيق معنى العبودية لله رب العالمين، على أنّ حفظ النسل وسلامته من الضروريات الخمس في الشريعة الإسلامية، والتي يجب حمايتها وصيانتها بشتى الطرق والوسائل المشروعة.

وأضاف أنّ الفحص الطبّي قبل الزواج مصطلح حديث لم يتم استعماله من قبل إلا في الآونة الأخيرة بسبب ظهور بعض الأمراض الوراثية وما أدّت إليه من معاناة أسرية في بعض المجتمعات، فظهر الاهتمام به في مجال الشريعة بمعرفة الحكم الشرعي، وفي مجال الطب بمعرفة مدى خطورة تأثيره في الأسرة والمجتمع وانعكاس ذلك على الأمة، وذلك من باب المحافظة على سلامة النسل التي هي من ضرورات الدين، ولذلك اختلفت نظرة الباحثين في الخصوص لا في العموم، فهل يقتصر الفحص على الفحوصات الطبية المخبرية أو يتجاوز ذلك إلى الارشادات والتوجيهات التربوية والنفسية والاجتماعية بجانب الفحوص الطبية.

وتابع: لقد عُرف الفحص الطبي قبل الزواج بعدد من التعريفات التي تتفق في المضمون تقريبا، وقد يفترق بعضها في اللفظ والمدلول ومنها أنه تحليل التاريخ الوراثي للرجل والمرأة لتحديد مدى احتمال إصابة أطفالهما بمرض وراثي كما أن إجراء الفحص المخبري للمقدمين على الزواج لمعرفة وجود الإصابة أو الحمل لصفة بعض الأمراض الوراثية، بغرض إعطاء المشورة حول إمكانية نقل الأمراض الوراثية إلى الأبناء.

الأمراض المؤثرة في الحياة الزوجية وتشمل الأمراض المؤثرة في الحياة الزوجية الأمراض المعدية والأمراض المؤذية، أما الأمراض المعدية فأثرها يكون عن طريق العدوى، وأما الأمراض المؤذية فأثرها السلبي يكون من خلال الاجتماع والمعاشرة، فالإنسان اجتماعي بفطرته مدني بطبعه، لا يستطيع الحياة بمفرده، فهو بحاجة ماسة إلى غيره من بني البشر، كيف إذا كانت العلاقة علاقة زوجية وما فيها من الالتقاء والحميمية، وتهدف - في الأساس - إلى بناء أسرة.

وأوضح الحراصي أنّ الأمراض المعدية هي التي تنتقل إلى الآخر عن طريق التنفس كالسل الرئوي، أو عن طريق الفم كالتيفويد والكوليرا، والتهاب الكبدي الوبائي، أو عن طريق الزنا أو اللواط كالزهري والسيلان، أو عن طريق الملامسة كالجدري والجذام..إلخ، وتابع ومن الأمراض المعدية ما مثل الجذام والطاعون فهو علة رديئة تنتشر في البدن، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها وشكلها، حتى تتآكل وتسقط، وسببها بكتيريا عضوية تشبه ميكروب الدرن، وله صورتان: الجذام الأسدي، والجذام الدرني، وتحتاج العدوى في هذا المرض إلى مخالطة طويلة غالبا، يقول ابن القيم:" وهذه العلة عند الأطباء من العلل المعدية المتوارثة، ومقارب المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته". والطاعون ورم ردئ قتال، يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا، ويحدث في الإبط، وخلف الأذن، وقد يرشح دما وصديدًا، ويحدث القيء والخفقان، والطاعون أنواع منها: الطاعون الغددي، وهو الذي ينتشر من الفئران إلى الإنسان عن طريق حشرات كالبراغيث، فينتقل الميكروب إلى الغدد اللمفاوية، وتتضخم وتتورم الغدد وتنزف دما وتمتلئ صديدًا، وترتفع درجة الحرارة ويشعر المصاب بصداع وارهاق شديد. والطاعون الرئوي، وهو خطير جدا، وتنتقل العدوى عن طريق البصاق، حيث تنتقل الميكروبات بواسطة التنفس من المريض إلى السليم فتصيب الرئتين والقلب مباشرة.

ونبه الحراصي إلى أن أعراض الإيدز تظهر في عدد من أجهزة الجسم، بسبب نقص المناعة الشديد نتيجة العدوى، وهو سريع الانتشار، وتنتقل العدوى إما بالاتصال الجنسي أو نقل الدم الملوث، أو استعمال الإبر الملوثة، أو الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها.

بنوك الدم

وقدّم حسن بن علي بن سيف الشعيبي في الجلسة الثانية ورقة عن " بنوك الدم" قال فيها: نظرًا للتقدم الكبير في المجال الطبي في عصرنا الحالي، فقد ظهرت أنواع من الأمور الطبية التي تحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها، ومنها "بنوك الدم" حيث يتم فيها تخزين الدم لأجل استخدامه وقت الحاجة إليها ولابد للتوصل إلى الحكم الشرعي لما يتعلق بهذه البنوك من معرفة حقيقتها وأهدافها، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بها؛ لأنّ الحكم على الشيء فرع عن تصوّره.

وأضاف لقد ارتبط ظهور بنوك الدم ارتباطاً وثيقاً بالمراحل التاريخية لتطور عمليات نقل الدم، حتى وصلت إلى التطور الكبير في تقنيات حفظ الدم التي استطاع أن يتوصل لها العلماء فبعد أن كان أكثر من نصف إجراءات نقل الدم تودي بحياة من نقل إليه الدم، وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي، حيث اكتشفت فصائل الدم وكان ذلك على يد العالم (كارل لاند شتاينر) في مطلع القرن العشرين، أدى هذا التطور إلى تحسّن كبير في عمليات نقل الدم، وتقليل عدد المتوفين من جراء هذه العملية، مما شجع العلماء على المضي قدماً في هذا المجال.

وأشار إلى أنّ هنالك أسبابا رئيسية دعت إلى قيام هذه البنوك، منها الحالات الطارئة التي تتطلب الإسعاف الفوري وتستدعي نقل الدم، وبما أن نقل الدم يتطلب إحضار المتبرعين، ثم فحصهم والتأكد من لياقتهم لسحب الدم منهم، ثم إجراء عملية سحب الدم من المتبرع، وبعد ذلك تحديد فئة الدم وسلامته من الأمراض، كل هذا يأخذ وقتاً طويلاً قلّما يتهيأ عند حدوث الضرورة ، فكان لابد من الاستعداد لها عن طريق إنشاء هذه البنوك، التي يكون فيها الدم جاهزاً تحسباً للطوارئ المختلفة. إلى جانب كثرة الحروب وحوادث السيارات وغيرها مما يستدعي كثرة الحالات الداعية لنقل الدم.

وتابع: يتم حفظ الدم المقطوف يومياً في ثلاجات خاصة في بنوك الدم منعا من التحلل والإتلاف، وهذه الثلاجات يجب أن لايحفظ فيها سوى الدم فقط والفريزرات ( ثلاجات التجميد العميق) وتستخدم هذه الأنواع من الثلاجات لتجميد مكونات الدم المفصولة عن البلازما وأكثر استخدام هذه الحاويات المزودة بسائل النيتروجين الشديد البرودة، والذي يصل إلى درجة (-196م) لحفظ الخلايا الحمراء وحاويات النقل المتعدد الأغراض التي تمتاز بأهمية وجودها في معظم فروع بنوك الدم والمستشفيات خاصة عند عمليات نقل وحدات الدم والمكونات من بنوك الدم إلى المستشفيات، وفي حالة إجراء عمليات تبديل وفحص وحدات الدم بين الفروع المختصة ذات العلاقة.

كما قدم الشيخ فرحات الجعبيري ورقة عن التجارة الإلكترونية ودكتور مصطفي باجو ورقة عن التبرع بالأعضاء وتناول دكتور سيف الهادي في ورقته البحثية الصور المستحدثة للزواج وموقف الإسلام منها تطرق من خلالها لزواج الهبة والدم والبصمة والمسيار والسفر.

ورفع العلماء والباحثون المشاركون في ختام الندوة أسمى آيات الثناء والحمد على ما منَّ الله سبحانه وتعالى به وتفضل من عودة القائد المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى هذا الوطن العزيز سالمًا معافى.

يذكر أن ندوة تطور العلوم الفقهية في نسختها الرابعة عشرة والتي عقدت تحت عنوان: «فقه العصر: مناهج التجديد الديني والفقهي» قد أصبحت بسلسلتها المتتابعة واستمراريتها في كل عام مرجعيّة فقهية وعلمية، تُقدّم الآراء والمناهج للمختصين وفق مقتضيات العصر وحاجياته، ويعتمد عليها الباحثون في إعداد أبحاثهم وأطروحاتهم الجامعيّة، وشكلت مركز أبحاث متقدم في تقديم دراسات أساسية، وثقافات علمية في قضايا مهمة، وموضوعات لا يستغني الواقع عن التأمل فيها.

تعليق عبر الفيس بوك