ندوة "عمان في الوثائق الفرنسية" تستجلي الجذور والمرجعيات التاريخية للتواصل بين البلدين.. وتستشرف الآفاق المستقبلية لتطوير العلاقات الثنائية

◄ لونج: العلاقات العُمانية الفرنسية متجذِّرة تاريخيًّا وممتدَّة للمستقبل

◄ الضوياني: الندوة تؤكد عُمق العلاقات بين السلطنة وفرنسا

◄ المعني: عُمان تعزِّز التواصل الثقافي مع دول العالم بمفهوم السلام

◄ لاي موا: نسعى لترسيخ مضامين المخطوطات من علاقات مشتركة

انطلقتْ، أمس، بمعهد العالم العربي بباريس، أعمالُ ندوة "عُمان في الوثائق الفرنسية"، التي نظَّمتها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية -بالتنسيق مع سفارة السلطنة بباريس، وكلٍّ من: الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي، وأرشيف وزارة الدفاع الفرنسية، والأرشيف الوطني الفرنسي- هذا ومن الجانب العُماني، وقَّعت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية مع الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي مُذكرة تفاهم في مجال الوثائق والمحفوظات، كما تمَّ على هامش الندوة تنظيم معرض وثائقي عُماني يستمرُّ حتى العاشر من أبريل الجاري.

واستهلَّ سعادة الشيخ حميد بن علي المعني سفير سلطنة عُمان لدى جمهورية فرنسا، الحفلَ بكلمة؛ قال فيها: "إنَّ لعُمان مسارها المختلف في العديد من الجوانب الحياتية؛ فعُمان مُتمسكة بالخيار الثقافي، وثقافة السلام والبحوث العلمية، وأهم الإنجازات التي حقَّقها الفكر البشري، خاصة وأنَّها دائمًا ما ترحِّب بتعزيز التبادل الثقافي والعلمي، وضرورة فهم الماضي بشكل جيد؛ باعتباره القاطرة التي تساعد على دخول المستقبل.. فعُمان تسعى لفهم الآخر من خلال الحقائق ومبادئ ترتكز على ضوابط معيَّنة وليست تسييسا. كما تعمل السلطنة على تعميق مفاهيم السلام، واحترام الآخر، مهما كانت اختلافاته، ولون بشرته، والتاريخُ خير دليل على ذلك؛ وذلك بحكم اتساع رُقعة التواجد العُماني في العالم منذ بداية التاريخ بين الهند والصين؛ فتأتي هذه الندوة في وقتٍ كثرت فيه المتاعب والأزمات الدولية، وهي قاطرة لبذل مزيدٍ من التعاون الثقافي والبحوث بين الدولتين، والعمل على تعزيز الإنسانية، والتعاون مع الآخر؛ فنحن بحاجة لهذا الفهم والتفاهم دون الوقوع في فلسفة التسييس وجوانبها السلبية، كما تسعى عُمان لدحر العنف؛ عبر مُساهمات الباحثين؛ لأنهم الأساس بالدرجة الأولى، والتي تكمن في مساعدة الإنسانية والرُّقي بها بعيدا عن تضارب المصالح".

باريس - مدرين المكتوميَّة - الهيثم المشيفري

تصوير/ خميس الجرادي

ومن جانبه، قال معالي جاك لونج مدير المعهد العربي -في كلمته: "إنَّ العلاقات القديمة بين فرنسا وعُمان هي علاقات متجذِّرة جدًّا، ويعود تاريخها إلى 1660م؛ حيث إنَّ السفن البحرية كانت أساس بداية تلك العلاقة، خاصة وأنَّ التجارة البحرية لدى عُمان شهدت انتعاشا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وبذلك استطاعت عُمان أن تمدَّ أواصر تلك العلاقات بينها وبين فرنسا عبر التجارة البحرية التي كان لها انتعاش في تلك المرحلة، وقد حقَّقت عُمان تلك المكانة التاريخية والعلاقات الوطيدة؛ حيث ارتأتْ فرنسا أنَّه من الملائم أنْ يربطها بعُمان رابط رسمي؛ حيث تلقَّت في العام 1970م، تصريحا لإقامة وكالة في مسقط. ومن بين أهم المبادرات بين البلدين: ميثاق الصداقة والتجارة، الذي يُعتبر من أهم المبادرات في تلك المرحلة، وتلته بعد ذلك العديد من المبادرات الأخرى.

وبعد ذلك، تطرَّق سعادة لاي موا مدير الأرشيف الوطني الفرنسي إلى أهمية التاريخ والعلاقات التي تربط فرنسا بعُمان.. وقال: إنَّ برنامج الذاكرة المشتركة الذي نحاول أن نبنيه معًا هو برنامج مبدع جدًّا، خاصة وأننا سخرنا كلَّ وسائل التكنولوجيا المتطورة لنتذكَّر تلك المعاهدات والعلاقات بين البلدين، وأعتقد أنَّ مثل هذه المبادرات تسمحُ لنا بالعمل معًا في تقديم المعلومات المشتركة التي تُمثل حجمَ العلاقات بين البلدين.. وتابع بقوله: إنَّ مسؤوليتنا تكمُن في إعطاء وترسيخ كل ما تحمله هذه المخطوطات من مفاهيم وعلاقات مُشتركة لعدد كبير من الناس؛ لتعرِّفهم بحجم تلك العلاقة.

جذور تاريخيَّة

أعقب ذلك كلمة سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية؛ قال فيها: نفتتح اليوم ندوة عُمان في الوثائق الفرنسية، والمعرض الوثائقي العُماني المصاحب لها؛ فعُمان ذات ماض ٍعريق، وتاريخ تليد؛ فكان للعُمانيين نشاط بحري ساهم في خلق التواصل الحضاري بين المسالك البحرية، ما بين عُمان والشرق الأقصى، وصولا للغرب الأوروبي والقارة الأمريكية؛ فكان لهذا التفوُّق في مجال التجارة البحرية على وجه الخصوص، الأثر الذي ميَّز العُمانيين في ضلوعهم بعلوم البحار والملاحة والفلك والجغرافيا؛ فخلَّف الإنسان العُماني الآثارَ الدالة على الاشتغال بالملاحة والتجارة، وبناء علاقات دبلوماسية، مبنية على حُسن التعامل ومد يد المحبة والسلام، وترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وفق الاتفاقيات والمعاهدات التي ربطت عُمان بعلاقاتها مع دول العالم، خلال الفترات والحقب التاريخية المختلفة، والتي سيتم الوقوف عليها من خلال ما سنشاهده من وثائق تؤكد حجم العلاقات مع كل دولة ارتبطت مع عُمان بعلاقات متميزة.

وأضاف: لقد دأبتْ هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على إبراز العلاقات التاريخية؛ من خلال تنظيمها سلسلة من الندوات والمعارض الوثائقية؛ فقد شهدتْ دول عديدة إقامة فعاليات مماثلة، ساهمت في التعرُّف على الصلات القائمة بين عُمان وتلك البلدان، فضلا عن إعداد البحوث والدراسات لهذا الغرض، وإتاحتها لخدمة الباحثين والدارسين، ورفد المكتبات بهذا الإنجاز الحضاري.

علاقات وطيدة

وقال الضوياني: وانطلاقا من العلاقات العُمانية-الفرنسية المتميزة، بسموها ورقيها ورسوخها خلال القرون الماضية وإلى يومنا الحاضر، وتحقيقا للأهداف المرجوَّة والغايات المنشودة، نعقد ندوة عُمان في الوثائق الفرنسية، لنؤكِّد ونشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين، التي اتَّسمت بالتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، فالمؤسسات المختلفة بين البلدين في تنامٍ متزايد، يُعزز تنمية القدرات، وتبادل الخبرات، والاستفادة من التجارب والبرامج في كلا البلدين. وفي هذا الإطار، فقد أولتْ الهيئة اهتمامها نحو إيلاء هذا الجانب مزيدا من البحث والدراسة، وإبراز العلاقات العُمانية-الفرنسية، كما أنه يُشجِّع الباحثين للعمل على إجراء مزيد من البحوث والدراسات العلمية، وتشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري، وتوجيه الطلاب في البلدين نحو استغلال الوثائق المتاحة لخدمة العلم والثقافة والحضارة الإنسانية. وإدراكا للقيمة العلمية لهذا الإنجاز، فقد كان ذلك حاضرا لدى المؤسسات الوثائقية الأرشيفية الفرنسية، لما وجدناه من ترحيب يُعبِّر عن المودة والدفء لهذه العلاقات التي تسمو في نفوسنا وتزداد ثباتا وتطلعا لآفاق جديدة من التعاون بين البلدين، وتؤكد هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية -ومن خلال تنسيقها وتعاونها مع سفارة سلطنة عُمان في باريس، والأرشيف الدبلوماسي الفرنسي، والأرشيف الوطني الفرنسي، وأرشيف وزارة الدفاع- أننا عملنا معا للإعداد والتنظيم لهذه الندوة والمعرض الوثائقي، وعبَّرنا جميعا عن أهمية تبادل المعلومات الوثائقية، واتاحتها لخدمة العلم والعلاقات بين البلدين، وشرعنا في إعداد مذكرة تفاهم بين الهيئة والأرشيف الدبلوماسي سنشهد جميعا حضور توقيعها خلال هذه المناسبة؛ مما يُشرفني أنْ أتوجه بخالص الشكر وعظيم التقدير، لسفارة سلطنة عُمان في باريس وعلى رأسها سعادة الشيخ السفير، وكافة أعضاء السفارة على جهدهم المتواصل وعملهم الدؤوب، مع المنظمين لهذا الحدث التاريخي، كما يسرني أن أشيد بالتنسيق والتعاون الإيجابي والمثمر، مع الأرشيف الدبلوماسي الذي أقدم له شكري وتقديري لإدارته وأعضائه، كما أشكر إدارة وموظفي الأرشيف الوطني الفرنسي على حسن التنسيق والتعاون، والشكر موصول تقديرا واحتراما لأرشيف وزارة الدفاع الفرنسية، لتجاوبهم وتعاونهم لإقامة هذا الحدث.

أهداف الندوة

وتهدف الندوة العلمية الوثائقية إلى دراسة العلاقات العُمانية-الفرنسية دراسة مُعمَّقة؛ تشمل: تاريخها السياسي، والحضاري، والاقتصادي، والاجتماعي، والعسكري، والثقافي.. وتُجلي عناصر التفاعل بين البلدين الصديقين عبر مراحل مُتعددة تاريخياً، وتأكيداً للنظرة المشتركة بين كل من سلطنة عُمان وجمهورية فرنسا لإبراز هذه الجوانب وتجسيد هذه العلاقة واستمرارها وتطوير التواصل والإخاء، وترسيخ ذلك للأجيال فيما يربط هذه المجتمعات من علاقات وطيدة، ويكمُن ذلك التفاعل في إبراز التواصل الحضاري في رسم مسارات العلاقات بين عُمان وجمهورية فرنسا. ومن هنا، ارتأت الهيئة إقامة هذه الندوة العلمية لاستعراض مسيرة تاريخ وحضارة عُمان، وتواجدها في الشرق الإفريقي والمحيط الهندي، وعلاقاتها بفرنسا، واستجلاء الجذور والمرجعيات التاريخية للتطور؛ فالتاريخ هو مستودع التجارب وكاشف الحقائق، ولا بد من الانتفاع به، ويأتي ذلك من خلال الرجوع إلى المصادر الأصلية سعيًا إلى كتابة تاريخ شامل يقوم على منهج علمي دقيق ومؤصل، فضلاً عن افتقار المكتبة العربية والأجنبية وعدم معرفتها واطلاعها بوضوح حول ذلك، وتأكيد أهمية العلاقات العُمانية-الفرنسية ودورها التجاري؛ لذلك اتجهت الدبلوماسية الفرنسية نحو تطوير العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع عُمان، ويشمل ذلك أيضاً الاهتمام الفرنسي بالتواجد العُماني في شرق إفريقيا والمناطق المجاورة لها؛ فالندوة ستلقي الضوء من خلال بحوثها المقدمة على حجم العلاقات القائمة، كما أنها ستكشف جانباً من الجوانب الحضارية والتاريخية والعسكرية لعُمان ودورها وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية وفي ترسيخ علاقات متينة مع دول العالم، وستشكل أوراقَ العمل رصيداً مهمًّا لإبراز هذه الجوانب.

أوراق العمل

وتضمَّنت الندوة -في طيَّاتها- مجموعة من المحاور المهمة، التي ركَّزت على العلاقات التجارية بين عُمان وفرنسا في عهد السيد سعيد بن سلطان (1806-1856)، وكذلك تراث الأرشيفات والتعاون الدولي في الأرشيف الوطني (فرنسا): الخبرة والممارسات المشتركة، أيضا طرحت الندوة قضايا سياسية في العلاقات العُمانية-الفرنسية؛ من خلال الأرشيف الوطني الفرنسي 1844ــ1907، كما ألقتْ الضوءَ على المحاولات الفرنسية لربط علاقات دبلوماسية وتجارية مع عُمان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتابعت الندوة نظرة الفرنسيين للحياة الاجتماعية العُمانية من خلال الأرشيف الفرنسي، كما اطلعت الندوة على التعاون العسكري الفرنسي-العُماني منذ العام 1980م، ودرست أيضا العلاقات العُمانية-الفرنسية من خلال السفينة العُمانية الصالحي (1786-1790)، كما تابعت مسائل من تاريخ عُمان الاقتصادي من خلال "مجلّة العالم الإسلامي" الفرنسية (1906-1926)، وناقشت العلاقات الاقتصادية العُمانية-الفرنسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كما قدَّمت قراءة عن العلاقات العُمانية الفرنسية "فرصة ضائعة: فترة تعيين القنصل بيار جوزيف بوشامب في مسقط".

جلسات الندوة

وتضمَّنتْ الجلسة الأولى من الندوة -التي ترأسها البروفسور دومينيك جيومان- خمس أوراق عمل؛ حيث جاءت الورقة الأولى للدكتور محمد بن سعد المقدم أستاذ في جامعة السلطان قابوس بعنوان "العلاقات التجارية بين عُمان وفرنسا في عهد السيد سعيد بن سلطان 1806-1856م"، والتي أبرز فيها بَدْء الدبلوماسية الفرنسية في الخليج والمحيط الهندي بإنشاء شركة الهند الشرقية الفرنسية عام 1664م؛ ونظرا لموقع عُمان الإستراتيجي ودورها التجاري فقد اتجهت الدبلوماسية الفرنسية نحو تطوير العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع عُمان، لا سيما في عهد السيد سعيد بن سلطان، الذي كان لسياسته المتوازنة أثر في إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا وفرنسا. وتلقي هذه الورقة الضوء على العلاقات التجارية العُمانية الفرنسية في عهده، وتحديداً بعد نقل مقر إقامته إلى زنجبار في العام 1832م، ثم توقيع المعاهدة الدبلوماسية والتجارية بين عُمان وفرنسا في 17 نوفمبر 1844م، ثم تعيين قنصل فرنسي في زنجبار وآخر في مسقط؛ إذ أتاحت هذه الاتفاقية للفرنسيين حرية استيراد السلع من الأقاليم التابعة للسيد سعيد في عُمان وشرق إفريقيا على أن يدفعوا رسماً حُدِّد بـ 5% من قيمة السلع الداخلية والخارجية في الموانئ العُمانية، كما حصل الرعايا الفرنسيون على حق التنقل والإقامة والتجارة وشراء الأراضي والمنازل والمحال التجارية وبيعها واستئجارها. وقد وضعت معاهدة عام 1844 فرنسا على قدم المساواة مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في عُمان، وهكذا أصبحت هذه الاتفاقية المرجع الرئيسي في العلاقات العُمانية-الفرنسية.

تراث الأرشيفات

وتناولتْ الورقة الثانية تراث الأرشيفات والتعاون الدولي في الأرشيف الوطني (فرنسا): الخبرة والممارسات المشتركة، والتي قدمها البروفسور يان بوتين أستاذ التاريخ والمحفوظات البيليوغرافية والأرشيف بباريس، والتي تحدَّث فيها حول تطور خدمة الأرشيف الوطني في فرنسا، منذ إنشائها في العام 1790م، في قلب الإجراءات القانونية للثورة الفرنسية؛ حيث وضعت المحفوظات الوطنية نموذجا واضحاً على وظيفة مزدوجة؛ سواءً كانت في الوظائف الإدارية أو التراث. وفي وقت لاحق، أكد الأرشيف الفرنسي كفاءته كمؤسسة مهمة للوساطة الثقافية والتعليمية، وكانت المحفوظات الفرنسية الممثل السري لبناء الدولة في القرن التاسع عشر.. وأن المحفوظات الوطنية الفرنسية لم تتوقف أبداً عن أن تكون الضامن لسيادة الدولة بعد الاهتمام الكبير الذي منحتها إياه الدولة في وضعها المالي. وفي إطار إنشاء اليونسكو، استضاف الأرشيف الفرنسي في موقعه التاريخي في باريس 1950م المجلس الدولي للأرشيف؛ حيث أكد المجلس الدور الفعال لهذا الموروث في المحفوظات الفرنسية منذ 65 سنة، وأن التدريب الدولي الذي يعقد سنويا يُعتبر المحرك لاستضافة ممارسات وتبادل الخبرات العلمية، ويهدف هذا إلى دعم التعاون الدولي بين الأرشيفات الفرنسية وهيئة المحفوظات الوطنية بسلطنة عُمان ونظيراتها بدول العالم العربي.

قضايا سياسية

وحملت الورقة الثالثة عنوان "قضايا سياسية في العلاقات العُمانية-الفرنسية من خلال الأرشيف الوطني الفرنسي 1844ــ1907" للأستاذ دكتور بوعزة بوضرساية خبير وطني على مستوى وزارة التعليم العالي بالجزائر، وتناول العديد من قضايا التاريخ العُماني بشقيه العربي والإفريقي، التي لا يزال يكتنفها الغموض ولم تر النور من حيث البحث التاريخي المعمق، وهي موجودة على مستوى دور ومحفوظات الأرشيف الفرنسي، ولعل أهمية هذه القضايا المتنوعة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، هي التي تفرض على المؤرخ والباحث العُماني والعربي بصورة خاصة وغير العربي بصورة عامة زيادة الاهتمام والبحث في مضامين هذه القضايا، وهي تعكس الاهتمام المتزايد من طرف الفرنسيين بالتاريخ العُماني، ولكن بما يخدم مصالحهم بالدرجة الأولى في ظل الصراع الثنائي بين فرنسا والمملكة المتحدة في مناطق المحيط الهندي؛ حيث كانت السيطرة واضحة المعالم لسلطنة عُمان في مجالات عدة، وانطلاقا من هذا المنحى التاريخي كانت الأحداث في هذه المنطقة لأهميتها لها دلالاتها خاصة محاولات فرنسا سد الطريق أمام عدوتها وصديقتها التقليدية في إنجلترا، ونخص بالذكر مقرات القنصليات التي كانت تزود الحكومة المركزية عن طريق تقاريرها اليومية بكل المستجدات، وتدوين ما يمكن تدوينه كأحداث تهم فرنسا بالدرجة الأولى. هذه القضايا التاريخية العُمانية التي يزخر بها الأرشيف الفرنسي تعكس الأهمية الكبيرة التي كانت تحتلها السلطنة في الحسابات السياسية الفرنسية.

والورقة الرابعة قدَّمها الأستاذ دكتور بوعلام بلقاسمي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة وهران بالجزائر، والتي حملت عنوان "المحاولات الفرنسية لربط علاقات دبلوماسية وتجارية مع عُمان في القرنين 18 و19م".. وأشار فيها إلى أنَّ المصادر التاريخية تبيِّن أنَّ أول الاتصالات بين فرنسا وعُمان تعود إلى منتصف القرن السابع عشر الميلادي، بعد طرد البرتغاليين من البلاد؛ من خلال وصول السفن التجارية لشركة الهند الشرقية الفرنسية إلى مسقط. ومع نمو الأسطول التجاري العُماني طيلة القرن 18م والنصف الأول من القرن 19م، نمت العلاقات بين عُمان وممتلكاتها الإفريقية والمستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي. تتطرق الورقة المقترحة إلى المحاولات الفرنسية لربط علاقات تجارية ودبلوماسية مع عُمان خلال القرنين 18م و19م، خاصة بعد قيام حكم آل بوسعيد في عام 1744م وتحوّل مسقط إلى مستودع إقليمي رئيسي للبضائع وأول ميناء تجاري في منطقة الخليج. وقد سعت فرنسا إلى الاستفادة من الوضع المميز لعُمان بقصد ترسيم علاقات بين الدولتين، بداية من عهد الإمام أحمد بن سعيد، الذي منح الفرنسيين امتيازَ إنشاء مخزن تجاري في العام 1775م، وحق تعيين ممثل عن فرنسا في مسقط سنة 1786م. وبعد ذلك، مرَّت العلاقات بين فرنسا وعُمان بمرحلة جمود بسبب اندلاع الثورة الفرنسية 1789م. تجدَّدت المحاولات الفرنسية في العام 1807م بإبرام السيد سعيد بن سلطان لاتفاقية مع الحاكم الفرنسي لجزيرة فرنسا (Ile de France) جزيرة موريشيوس حاليا. وأبرم السيد سعيد بن سلطان اتفاقية في 1841م تبعتها معاهدة للصداقة والتجارة في 1844م. حيث مكنت هذه المعاهدة الطرفان من تطوير المبادلات التجارية بين زنجبار وجزيرة بوربون. ولقيت رحلة السفينة "لا كارولين (La Caroline)" إلى مدينة مرسيليا الفرنسية نجاحا تجاريا كبيرا، وصدى إعلاميا أكبر بقيام الحاج درويش -مبعوث السلطان سعيد بن سلطان إلى فرنسا- بزيارة تولون وباريس؛ حيث استقبله لويس-نابليون رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك. بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان في سنة 1856م، خضعت العلاقات الفرنسية-العُمانية لتقلبات المنافسة الشرسة بين باريس ولندن في منطقة المحيط الهندي وشرق إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية، وتعززت العلاقات الفرنسية-العُمانية في سنة 1894م.

الحياة الاجتماعية

وحملتْ الورقة الأخيرة من الجلسة الأولى عنوان "نظرة الفرنسيين للحياة الاجتماعية العُمانية من خلال الأرشيف الفرنسي"، قدمها الدكتور الياس نايت قاسي أستاذ محاضر في قسم التاريخ والجغرافيا بالمدرسة العليا للأساتذة بوزريعة، الجزائر، وأبرز فيها اهتمام الفرنسيين -السياسيين منهم والعسكريين- بالحياة الاجتماعية للمجتمع العُماني في مسقط وزنجبار فنقلوا كل شاردة وواردة عن عادات وتقاليد المجتمع العُماني بل ودونوها في مؤلفاتهم، وكان عشر للقنصليات الفرنسية في القرن التاسع الدور الأبرز في تدوين جوانب عدة عن الحياة الاجتماعية العُمانية وكان ذلك عن طريق التقارير والمراسلات التي كانت تصل إلى وزارة الشئون الخارجية؛ مما أضفى على المادة الأرشيفية طابع الموضوعية؛ لذلك سوف نحاول في مداخلتنا التطرق إلى أهم الجوانب الاجتماعية التي ورد ذكرها في الأرشيف الفرنسي سواء في القسم العربي لسلطنة عُمان أو في الجانب الإفريقي، وسوف نحاول استقراء وجهات النظر الفرنسية في طريقة تدوين هذه الجوانب الاجتماعية ومحاولة فهم الدوافع الكامنة وراء ذلك، وما إذا كانت المعالجة موضوعية على مستوى القسمين العربي والإفريقي. وإن كانت القنصلية الفرنسية في القسم الإفريقي أنشط من التمثيل القنصلي في مسقط، إلا أنَّ هناك بعض القناصل من أمثال بلكوك تضمنت مراسلاتهم المحفوظة في أرشيف وزارة الخارجية أدق التفاصيل عن الحياة الاجتماعية العُمانية، وبنفس العزيمة أو أكثر حاول قناصل فرنسا في زنجبار تتبع التطور والتأثير الاجتماعي للعنصر العربي العُماني في شرق إفريقيا، حتى أصبح العنصر الإفريقي يمثل الحياة الاجتماعية في أعلى صورها من شدة تأثره بحياة العُمانيين اليومية في الملبس والمشرب والمعاملة الطيبة والتعامل التجاري والأخلاق والسيرة.

الجلسة الثانية

أما الجلسة الثانية والتي ترأسها الدكتور محمد بن سعد المقدم، فبدأت بورقة عمل عُنوانها "التعاون العسكري الفرنسي- العُماني منذ عام 1980م"، للبروفسور دومينيك جيومان أستاذ التاريخ والجغرافيا المسؤول عن الدراسات في الخدمات التاريخية بوزارة الدفاع الفرنسية.. أكد فيها أنَّ البحارة العُمانيين والفرنسيين كان لهم اتصالات متكررة في المياه المحيطة بسواحل سلطنة عُمان منذ القرن السابع عشر، ظلت العلاقات بين البلدين لفترة طويلة متوترة؛ وذلك بسبب الصراع الفرنسي الإنجليزي على الطريق المؤدي إلى الهند. ومع ذلك، فإنَّ الموقع الإستراتيجي لمسقط لا يزال فعالا ومؤثرا؛ حيث أخذتْ عُمان مرة أخرى بُعداً رائدا بعد الثورة الإيرانية في 1979م، وكانت لعُمان الفرصة الذهبية لتصبح الوصي الجديد على مضيق هرمز. ومنذ السبعينيات، كانت فرنسا تستثمر المجال البحري بشكل كبير في المحيط الهندي، مما قاد القوات البحرية الفرنسية إلى أن تكون موجودة في الخليج الفارسي، ونلاحظ أحيانا علامات وجودها بشكل كبير (عملية "بروميثيوس" 1987-1988). ويمكننا أن نقول أن في أواخر الثمانينات، بدأت العلاقات العُمانية-الفرنسية تقوى على أساس وعي مشترك من التهديدات المحتملة، وحتى حرب الخليج (1990-1991). ومن هنا، كانت الرؤية لإحياء تعاون حقيقي بين البلدين. وهذا هو النموذج العسكري لهذا التعاون المثمر يدعو للاهتمام بدراسة هذا التواصل من خلال تقديم الخطوات الملموسة بين الفرنسيين والعُمانيين متمثلة في تبادل الزيارات الرسمية للمسؤولين المدنيين والعسكريين والتمارين العسكرية المشتركة ومعاهدات الأسلحة. وتعتمد هذه الورقة على وثائق من أرشيف الخدمات التاريخية بوزارة الدفاع، والتي تبيِّن قوة العلاقات العُمانية الفرنسية، ووجهة نظر الفرنسيين حول موضوع التاريخ المعاصر، ولهذا يؤكد هذا البحث على أهمية الاستفادة من العلاقات الوطيدة بين البلدين. ومن ذلك، فإننا نقترح اعتبارَ هذا البحث وهذه الندوة العلمية بباريس تمهيداً لحوار تاريخي بين جمهورية فرنسا وسلطنة عُمان.

سفينة الصالحي

أما الورقة الثانية، فكانت بعنوان "العلاقات العُمانية الفرنسية من خلال السفينة العُمانية الصالحي: 1786-1790"، للدكتور سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي أستاذ مشارك للتاريخ الحديث والمعاصر جامعة السلطان قابوس.. مؤكدا أنَّ هنالك تواصل بين عُمان وفرنسا منذ أن وصل الفرنسيون إلى البحار الشرقية في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وقد أكدت الوثائق الفرنسية أن هذا التواصل حدث بالفعل في العقد الثاني من القرن الثامن عشر؛ وكان لفرنسا في عُمان وكلاء أو مفوضين خلال هذا القرن يرعون المصالح التجارية والسياسية في مسقط؛ وقد حظي (Mac Nemara) الكونت ماكنمارا على تعهد من الإمام سعيد ابن الإمام أحمد بن سعيد في العام 1790 برعاية المصالح الفرنسية بصفة خاصة بمسقط، وكان الفرنسيون قبل خمس سنوات قدموا هدايا ثمينة للإمام سعيد وتم تعيين أحد المواطنين وكيلا تجاريا للفرنسيين في مسقط. تهدف هذه الورقة إلقاء الضوء على المراسلات الخمس التي أرسلها الإمام سعيد بن أحمد للفرنسيين ومضامينها خلال الفترة بين عامي 1786-1790م، والخاصة بالسفينة "الصالحي" التي استولى عليها الكونت ديستان، كما سنحلل محتويات الرسائل لمعرفة مدى عمق هذه الصداقة وإلى مصداقية هذه العلاقات، ومدى التعاون التجاري بين البلدين. اعتمدت هذه الورقة في المقام الأول على الرسائل الخمس التي أرسلها الإمام سعيد بن أحمد بين عامي 1786 و1790، والتي نشرها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وسنقارن ما توافر من معلومات في المراجع التي ظهرت في القرن العشرين. ومن المتوقع أن تكشف هذه الورقة عن مضامين تلك المراسلات وعن الدور الجاد الذي تسعى إليه فرنسا في توطيد علاقاتها الحميدة مع حكام عُمان، وإبقائها ودية، خصوصا بعد الثورة الفرنسية عام 1792م وتغيير الحكم إلى النظام الجمهوري.

العالم الإسلامي

والورقة الثالثة قدَّمها الدكتور سعيدي مزيان أستاذ محاضر في قسم التاريخ الحديث والمعاصر، حملتْ عنوان مسائل من تاريخ عُمان الاقتصادي من خلال مجلّة العالم الإسلامي الفرنسية والتي صدر العدد الأول منها بباريس سنة 1906، تحت إشراف ألفريد لوشاتولييه، الذّي اهتم بقضايا العالم الإسلامي عامة ثم أصبح أستاذا لكرسي الدراسات الاجتماعية في الكوليج دو فرانس في السوربون؛ علما بأنّه كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالجزائر. وقد صدر من المجلة 59 عددا في فترة قياسية بين عامي 1906-1926م، وكان من أبرز كتابها المستشرق لويس ماسنيون.. تناولت المجلّة عدة مواضيع تخصّ تاريخ عُمان ومسقط وزنجبار، خاصّة ما يتّصل بها من المسائل الاقتصادية منها التّجارة والملاحة، وانتشار العثمانيين وتأثيرهم في الساحل الشرقي من لإفريقيا، وطبيعة العلاقة التّي ربطتهما؛ إضافة إلى مسائل أخرى مهمَّة تتعلق بطبيعة المنتجات التجارية المتبادلة والعملات المتداولة ودور الأسطول العُماني المتميّز بسفنه الشراعية المسماة الدّاوز، والتّي كانت تمخر عباب البحر والمحيط، وكذلك تطور العلاقات التجارية بين عُمان والمستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي.

العلاقات الاقتصادية

هذا.. وقدم حُمود بن حمد بن محمد الغيلاني خبير تربوي بوزارة التربية والتعليم، ورقة بعنوان العلاقات الاقتصادية العُمانية الفرنسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبحث فيها بداية اهتمام فرنسا بعُمان إلى وقت مبكر، ويمثل العام 1677م بداية هذا الاهتمام. وفي عهد مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد، استمرت حالة الحياد العُماني إزاء التنافس الأوروبي وخاصة الفرنسي البريطاني؛ أما في الجانب الاقتصادي فقد كان التبادل التجاري بين الدولتين الصديقتين أخذ ينمو بصورة ملفتة للباحث؛ فقد كانت السفن العُمانية تبحر إلى المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، خاصة جزيرتي موريشيوس وبورونيون. هذه العلاقات التجارية رسّخت وجود علاقة قائمة تعتمد على الصداقة والود، وتمثلت في تبادل السلطان أحمد بن سعيد مع "لا مارتينيك" حاكم الجزيرة الفرنسي الهدايا؛ حيث أرسل للإمام مدافع وعتادا. وفي عهد السلطان سلطان بن أحمد أخذت العلاقات الاقتصادية العُمانية الفرنسية بُعدا آخراً ففي عام 1799م، أرسل نابليون بونابرت رسالة إلى سلطان مسقط يؤكد فيها حماية السلطات الفرنسية للسفن العُمانية في متاجرتها مع الموانئ المصرية؛ تشجيعا للنشاط الاقتصادي بين الدولتين. وفي القرن التاسع عشر في عهد السلطان سعيد بن سلطان، امتدَّت الإمبراطورية العُمانية لتشمل عُمان وشرقي إفريقيا، ونمت العلاقات التجارية العُمانية-الفرنسية، وأخذت سفن كلا الدولتين تزور كل منهما موانئ الدولة الأخرى؛ ووقعت الدولتان عدد من الاتفاقيات التجارية، فقد أتجه الحاكم الفرنسي ديكان إلى الدخول في معاهدة مع السلطان سعيد بن سلطان عام 1807م، تخوّل لفرنسا حق إقامة وكيل تجاري لها في مسقط، والحقيقة كان هناك عدد من الاتفاقيات قد سبقت اتفاقية عام 1844م، فقد أرسل السلطان سعيد بن سلطان ممثله ماجد بن خلفان لتوقيع اتفاقية تجارية نيابة عنه مع الجنرال ديكان، بتاريخ 16/6/1807م، اشتملت على اثنى عشر بندا، أقرت أهم بنودها السلام الدائم بين البلدين، وضمان حرية التجارة والاتفاق على الإجراءات التنظيمية للسفن العاملة بالتجارة، وتعيين وكيل تجاري لفرنسا في مسقط.

فرصة ضائعة

وعُنونت الورقة الخامسة بـ"فرصة ضائعة: القنصل بيار جوزيف بوشامب في مسقط"، للأستاذ دومينيك فوندرو- رايسنر كبيرة أمناء التراث أرشيف وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بباريس، والذي سلطت ورقته الضوء على طلب إمام مسقط مرارا خلال القرن الثامن عشر تعيين وكيل لفرنسا في عُمان، ولكن فشلت المحاولات لتحقيق ذلك حتى نهاية عهد لويس السادس عشر. ولكن بعد ذلك قررت الثورة، التي شرعت في إعادة تنظيم الشئون القنصلية الفرنسية في المنطقة، إنشاء قنصلية عامة في بغداد ونائب للقنصلية في البصرة، وإلى إنشاء قنصلية في مسقط، وتم ذلك تحت إشراف "بيير جوزيف بوشامب" (1752-1801).

وكان هذا الاختيار نتيجة للاعتبارات السياسية المعتادة وأهمية دور عُمان الرئيسي بالنسبة للطريق إلى الهند ومنطقة الخليج، إضافة إلى الاعتبارات العلمية التي تحكمت في اختيار لجنة العلاقات الخارجية لبوشامب؛ حيث إنَّ بوشامب كان فلكيًّا وجغرافيًّا، إضافة إلى وجوده لمدة 8 سنوات في بغداد، ومشاركته في الإنجازات الفلكية والجغرافية مع البعثات الأهلية والمجتمع العلمي. وتأثر اختيار اللجنة الغير موفق بالدعم الكبير من قبل الفلكي العظيم "للند" لتعيين بوشامب، وينبغي أن يُؤخذ في الاعتبار أن هذا التعيين تم في إطار الاهتمام بشبه الجزيرة العربية وإنجازات "نيبور"، ولهذا فقد تم تعيين بوشامب قنصلاً في مسقط اعتباراً من 3 مارس 1795. ولكن منذ قرن تم تعيين "بول أوتافي" كما تم فتح قنصلية فرنسية في عُمان وذلك بعد فشل بوشامب؛ ومما لاشك فيه أن فترة تعيين بوشامب في كثير من النواحي تعد فرصة ضائعة في العلاقات الفرنسية-العُمانية.

العلاقات الدبلوماسية

وختمتْ الجلسة الثانية بورقة الشيخ عامر بن محمد الحجري، والتي ركَّز فيها على الاهتمام الفرنسي بعُمان قبل عام 1759 أي خلال عهد الدولة اليعربية، وكذلك خلال عهد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي شهد عهده نموا كبيرا في العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين عُمان والمستعمرات الفرنسية في شرق إفريقيا.

لقد قام الجنرال ديستان في مسقط بالهجوم على السفن التي كانت تحمل العلم البريطاني، كما قام بالاستيلاء على السفينة العُمانية المحمودي، التي طالب الإمام أحمد بن سعيد بأهمية إرجاعها إلى عُمان عن طريق القنصل الفرنسي في بغداد؛ حيث استجابتْ الحكومة الفرنسية لمطالب الإمام أحمد بن سعيد، الذي عبَّر عن رغبته في أن يرى على السواحل العُمانية مزيدا من الحركات المتواصلة للسفن الفرنسية في السواحل العُمانية، وقد كتب القنصل الفرنسي في بغداد لحكومته في باريس عن المطالب المتكررة للإمام أحمد بن سعيد حول إرسال مندوب فرنسي، وكذلك عن العرض السخي الذي قدمه الإمام أحمد بن سعيد والمتضمن منح منزل لذلك المندوب، إضافة إلى العديد من الامتيازات التي تميزه عن ممثلي الحكومات الأخرى.

وبناءً على تلك المعطيات قررت الحكومة الفرنسية إرسال السيد ديفال ليكون القنصل والقائم بالأعمال الفرنسية لدى الإمام أحمد بن سعيد، وكذلك استمرت تلك العلاقات الفرنسية العُمانية في عهد السيد سلطان بن أحمد بن سعيد الذي شهد تطورا كبيرا وملموسا؛ حيث استلم رسالة من نابليون بونبارت في عام 1799 الذي أكد فيها حماية الحكومة الفرنسية للسفن التجارية العُمانية التي تتاجر في البحر الأحمر بشكل خاص وفي الموانئ المصرية بشكل عام.

أما في عهد السيد سعيد بن سلطان 1804-1856م الذي كان حريصا كل الحرص على استمرار علاقات الصداقة مع الحكومة الفرنسية؛ حيث تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات مع الجنرال ديستان حاكم جزيرة فرنسا خاصة اتفاقية عام 1807م التي وقعها نيابة عنه السيد محمد بن خلفان الوكيل البوسعيدي، والتي تضمَّنت حرية التجارة وتعين وكيلا تجاريا لفرنسا في مسقط، وفي العام 1844م، تمَّ التوقيع على المعاهدة التجارية الجديدة مع فرنسا والتي كانت بطبيعة الحال مشابهه للمعاهدة المعقودة مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1833، ومع بريطانيا عام 1839م.

مذكرة التفاهم

وحرصا من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية على أهمية التعاون الثقافي والتاريخي مع مختلف المؤسسات الوثائقية في العالم، وما أُوكله إليها قانون الوثائق والمحفوظات من القيام بجمع الوثائق المتعلقة بالدولة في الخارج، وقَّعت الهيئة مع الأرشيف الدبلوماسي الفرنسي مذكرة تفاهم -مثَّل سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الجانب العُماني، في حين مثَّل الجانب الفرنسي ريتشارد بويدن مدير إدارة المحفوظات بوزارة الشؤون الخارجية التنمية الدولية بالجمهورية الفرنسية- والتي يعمل بموجبها على تبادل نسخ من وثائق المحفوظات وأدوات البحث المتعلقة بهذه المحفوظات، والمطبوعات وأعمال البحث والدراسات التي تسهل البحوث حول هذه الوثائق.

كما شملتْ تبادل الخبراء في مجال الإدارة الرقمية للمحفوظات، خاصة حفظ المحفوظات الرقمية على المدى الطويل، وكذلك تبادل المقترحات حول الأنشطة التي يمكن تنفيذها وفقا لأولويات كل طرف. وتنظيم الأنشطة المتعلقة بحفظ وثائق المحفوظات واستعادة قيمتها، وتناولت أيضا إمكانية تنظيم المؤتمرات والمعارض في مجال إدارة الوثائق والمحفوظات، كما شجعت المذكرة على تبادل الدورات التدريبية، وزيارات الخبراء، والبحوث العلمية في مجالات التعاون المشار إليها.

تعليق عبر الفيس بوك