ندوة تطور العلوم الفقهية تناقش فقه العدالة في الإسلام وكتب القضاء في مختلف المذاهب

أحمد أبو الوفا يستعرض ورقة عمل حول مفهوم العدالة الدولية من منظور إسلامي

أشرف وفا يناقش ضوابط العدالة في مجال علاقات الأفراد على الصعيد الدولي

عبدالقادر بن عزوز يقدم بحثًا عن منهج التأليف القضائي قبل نشأة المذاهب الفقهية

ورقة عمل تناقش العلاقة الوثيقة بين المقاصد الشرعية والمصلحة ومسألة الخير العام

الرؤية - محمد قنات

تختتم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية اليوم أعمال ندوة تطور العلوم الفقهيّة التي انطلقت مطلع الأسبوع الجاري، بفندق جراند حياة مسقط، بمشاركة جمع من أصحاب المعالي وزراء الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، وأصحاب السماحة مفتي الدول العربية والإسلاميّة وعلماء من دول مجلس التعاون والدول العربية والإسلاميّة ورؤساء بعض الجامعات العربية. وتستعرض الندوة اليوم قبل حفل الختام وطرح التوصيات عددًا من أوراق العمل والبحوث في مجال فقه الأسرة عبر جلستين، حيث يقدم المشاركون شرحا لثماني أوراق عمل متنوعة.

وشهدت الندوة أمس 3 جلسات صباحية، حول المحور الرابع للندوة "فقه العدالة في الإسلام" وافتتحت الجلسة بورقة الأستاذ ناصر بن خلفان البادي بعنوان (الاجتهاد الإنشائي عند الإمام المحقق الخليلي)، وبدأها بالتعريف بالمحقق الخليلي، ومؤلفاته، وعصره، ومكانته العلمية والاجتهادية والتجديدية، وانتقل للحديث عن القواعد والسمات التجديدية لمنهجه الاجتهادي الإنشائي، والتي يمكن تلخيصها في اعتماده على الأدلة الشرعية الأصلية والفرعية، ومراعاة أصول الفقه، والقواعد الفقهية، ومراعاة أحوال الناس، وقواعد التيسير، ومقاصد الشريعة، وهو يورد أقوال العلماء السابقين لكن بغير تقليد أعمى إنما أخذ تحقيق وتدقيق؛ إذ ضالته الدليل أينما وجد، والحق أينما تبين له وظهر، وهو يؤكد على بعده عن التقليد الأعمى في عدة مواطن من مؤلفاته وفتاواه.

العدالة الدولية والإسلام

وكانت الورقة الثانية للدكتور أحمـد أبو الوفا بعنوان (العدالة الدولية من منظور إسلامي) تحدث فيها بداية عن العدالة التي هى أساس أية علاقات إنسانية أو دولية، وأوضح بأنّ العدالة مبدأ من المبادىء الإسلامية العامة، فإذا أردنا فعلاً أن تكون العلاقات - داخليًا ودوليًا - حقيقة ملموسة وواقعة، فيجب أن يكون الأفراد والحكام والدول عادلين مع أنفسهم ومع ذويهم ومع غيرهم، وذكر بأنّ منع الظلم حتميّة تستدعيها العدالة؛ لأن الظلم هو عكس العدل، وبيّن في ورقته مظاهر العدالة الدولية فى الاسلام؛ لأنّ الإسلام هو دين العدل، إذ بالحق (أنزلناه وبالحق نزل)، فمن الطبيعي أن يحارب إنكار العدالة. فقد سبق الحديث عن رفض الظلم وتحبيذ العدل. ويبدو ذلك واضحاً مما قاله الإمام السيوطي إن العدالة ضرورية: لصون الأحكام، ولحفظ دماء الناس وأموالهم وأعراضهم عن الضياع، وبيّن أنّ ميزان العدل في الإسلام واحد ومعياره وحيد، لذا يجب على من عليه حق (كأمانة أو دين) أن يؤديها، حتى ولو كان صاحبها من غير المسلمين، وأكّد على ضرورة مراعاة التثبيت فى الأمور الخاصة بالعلاقات الدولية، فيجب دراسة الأمور من جميع جوانبها، وتقليبها على كل مضاجعها حتى يلوح سبيل الرشاد، ويظهر التصرف الذي يتحتم اتخاذه فعلاً.

وحملت ورقة الأستاذ الدكتور أشرف وفا عنوان (العدالة في مجال علاقات الأفراد على الصعيد الدولي) وذكر بداية أنّ الورقة تتناول دراسة بعض الجوانب لعلاقات وروابط الأفراد على الصعيد الدولي أو ما اصطلح على تسميته بالعلاقات الخاصة الدولية وهي العلاقات التي تقوم بين الأفراد على المستوى الدولي والتي ينظّمها فى الوقت المعاصر "القانون الدولي الخاص" فى مختلف الدول. وهذا القانون يشمل الجنسيّة من حيث اكتسابها وفقدها واستردادها، والمركز القانوني للأجانب، وتنازع القوانين من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق، وتنازع الاختصاص القضائي وآثار الأحكام الأجنبية، وتطرق لبعض الجوانب التي تتعلق بالجنسية وتنازع القوانين في كل من القانون والشريعة لبيان أوجه العدالة المبتغاة في تنظيم العلاقات الخاصة الدولية وبين في المبحث الأول أنّ الإسلام يعتبر عقيدة عالمية قابلة للتطبيق في كل مكان وزمان, ووفقًا لأحكام الشريعة الإسلاميّة لا توجد أدنى تفرقة بين المسلم الذي يقطن ديار الإسلام وبين المسلم المقيم في دولة أجنبيّة حيث وضعت الشرعيّة الإسلاميّة القاعدة الأساسيّة التي تقضي بالأخوة بين المؤمنين "إنما المؤمنون إخوة"، على عكس ما تقوم عليه الجنسية في المفهوم المعاصر من تصنيف الأفراد إلى وطني وأجنبي بالنظر للانتساب إلى دولة ما فإنّ الإسلام يقيم التفرقة بين الناس على أساس العقيدة لا غير والالتزام بأحكام الإسلام وتأمل في ذلك قوله تعالى "هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير".

وانتهى الباحث إلى أنّ الشريعة الإسلاميّة سبقت القوانين الوضعيّة في إقرار قواعد العدالة كما تجاوزتها بكثير ويتجلى ذلك في أمور كثيرة منها أنّ الجنسيّة في الشريعة الإسلاميّة تقوم على أساس العقيدة والديانة بينما تقوم في القوانين الوضعيّة على رابطة سياسية بين فرد ودولة ولا دور للديانة فيها. ولاشك أنّ ارتباط الجنسيّة بالديانة في الإسلام يجعلها في غاية القوة، أمّا في المبحث الثاني فقد أكد فيه أن الإسلام يعترف بوجود قواعد تطبق على غير المسلمين في دار الإسلام؛ دون أن تنتمي إلى شريعته (مثال ذلك شرائع أهل الكتاب الخاصة بالأصول الشخصية)، وكذلك فإنّ اعتراف المسلمين بوجود بلاد غير إسلاميّة يعني ضرورة وجود قواعد تحكم العلاقات الخاصة الدوليّة التي تقوم بين المسلمين أو غير المسلمين، أو تلك التي تتعلق بأشياء موجودة عبر الحدود، وهذا هو أساس القانون الدولي الخاص، وبيّن أنّ القانون العماني نظم هذا الأمر في قانون إقامة الأجانب في سلطنة عمان (المادة 19) حيث نص على أنّ: "تنتهي إقامة زوجة العماني الأجنبية بانقضاء العلاقة الزوجيّة، وعليها مغادرة البلاد، ما لم تبد أسبابًا تقبلها السلطة المختصة، ويشترط وجود كفيل لها بالسلطنة".

القضاء والمذاهب الإسلامية

وجاءت ورقة الأستاذ الدكتور عبد القادر بن عزوز بعنوان "كتب القضاء في المذاهب الإسلامية:(رصد وتحليل) " وتناولت منهج التأليف الفقهي القضائي قبل نشأة المذاهب الفقهيّة الإسلامية وبعدها في مبحثين، وكان المبحث الثالث في أنواع التأليف الفقهي القضائي. وبيّن الباحث أنّ مقصد العدل وتحقيق العدالة تجسد في تاريخ المذاهب الإسلامية من خلال كثرة التأليف في القضاء وعلومه، وأوضح أنّ كثرة التأليف وقلتها من مدرسة فقهيّة لأخرى مرجعه إلى مدى تمكين هذه المدرسة أو تلك في تنظيم الحياة الاجتماعية، فانتشار المذاهب وانكماشها مرهون بتمكين الدولة له من مؤسسة القضاء، كما كان الشأن للمذهب الحنفي في الدولة العباسيّة والإباضي في الدولة الرستمية (144-296هـ)، والمالكي في الأندلس (91-897هـ)، والجعفري في الدولة البويهية (322-454هـ) في إيران العراق، والزيدية (284-1382هـ) في اليمن، كما أنّ القاسم المشترك بين مؤلفات القضاء الدعوة إلى تحقيق أسباب العدل وسلامة المحاكمات من الانحراف والمحافظة على حقوق المتخاصمين والحق في رفع الدعوى، وأكد أنّ اختلاف التأليف وتطوره وتنوّعه يدل على تطور مؤسسة القضاء في التاريخ الإسلامي، كما تعد كتب القضاء مرجعًا هامًا للدراسات الاجتماعيّة والاقتصادية والأخلاقيّة والسياسيّة للمجتمع الإسلامي عبر تاريخه، وأنّ غالبية كتب القضاء المؤلفة في المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة لا تزال مخطوطة، كما أنّ نظام القضاء يرتبط غالبًا بتصوّر نظام الإمامة في المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة.

وتناولت ورقة الأستاذ الدكتور فايز محمد حسين تحت عنوان (العدالة في المقاصد والممارسة مسألة الخير العام من منظور متجدد)، العلاقة الوثيقة بين المقاصد الشرعية والمصلحة ومسألة الخير العام، وتتأسس هذه العلاقات الوثيقة على جوهر الرسالة الإسلامية، فالخير العام هو وسيلة من وسائل المقاصد، بهدف إدراك المصلحة، والتي بدورها هي جوهر نظرية المقاصد الشرعية، وقد تناول الباحث في المبحث الأول موضوع فلسفة الخير العام بين المقاصد الشرعية وفلسفة القانون، وأوضح أنّه من المسلم به أنه لا قانون بلا مجتمع ولا مجتمع بلا قانون، فالقانون هو الأداة الأولى للضبط الاجتماعي في المجتمعات المعاصرة، فالقانون من لوازم الحفاظ على المجتمع الإنساني وتحقيق الاجتماع الإنساني لأهدافه، ويقوم القانون بتحقيق التناسق والتنظيم فيما بين سلوكيات ورغبات الأفراد في المجتمع، من خلال إحداث التوازن فيما بين تعارض المصالح الفردية فيما بينها من ناحية، وتنازعها مع المصلحة العامة من جهة أخرى، وأوضح الباحث أنّ مفهوم الخير العام يتضمن جانبين هما الجانب الشكلي للخير العام وهو مجموعة الوسائل التي تؤكد فعاليات المجتمع السياسي حتى يتحقق الخير العام الإنساني، فهو يشير إلى مجموعة الوسائل الأساسية لحفظ النظام والأمن والسلام في المجتمع، والدولة هي التي تقوم بمهمة وضع وتحديد الإطار الشكلي للخير العام في المجتمع، أمّا الجانب الموضوعي للخير العام: فيشير إلى مجموعة العناصر الموضوعية المكوّنة للخير العام، هذه العناصر متعددة، ولكنّها تدور كلها حول كل ما هو نافع وحسن ومفيد للمجتمع ككل، وكل ما من شأنه تحقيق العلاج والسعادة والسلام والأمن والاستقرار في المجتمع، وأوضح أنّ المصالح في الفكر الإسلامي تنقسم إلى ثلاثة أنواع: مصلحة ملغاة ومصالح معتبرة ومصالح مرسلة: فالمصلحة المعتبرة هي المصالح التي اعتبرها الشارع، بمعنى أنه عز وجل شرع لها الأحكام الموصلة لها. وتعد المصالح المعتبرة جميع المصالح التي جاءت الأحكام المشروعة لتحقيقها فالمصالح المعتبرة هي المصالح التي قام الدليل الشرعي على اعتبارها ووضع من الأحكام ما يوصل إليها.

وأوضح الباحث أنّ المصالح المعتبرة هي: حفظ الدين، النفس، والعقل، والعرض، والمال، وأكد أنّ القاعدة المتفق عليها أنّ الأحكام الشرعية كلها تهدف إلى تحقيق مصالح الناس. واتفق الشراح على: "أنّه ما من حكم كلى أو جزئي إلا ويقصد به المحافظة على مصلحة خاصة، وأنّ المصالح ترجع في النهاية إلى المحافظة على أحد الأمور الخمسة" النفس والعقل والعرض والمال والدين"وأوضح الباحث أنّ تصرف الولي والقاضي والوصي يجب أن يكون مقرونًا بالمصلحة، وأنّ المصلحة إما أن تكون دفع الضرر أو جلب المنفعة، وفي المبحث الثاني تناول الباحث فلسفة التشريع الاقتصادي الإسلامي وتحقيق الخير العام فبين أن العدل الاجتماعي هو الأساس المبرر لنشاط السلطة في المجتمع، حيث إنّه باسم هذا العدل الاجتماعي تحقيقاً للصالح العام يخضع الأفراد لسلطة الحكام، ويملك الحكام على الأفراد حق السيادة أو الأمر. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، فباسم العدل الاجتماعي يلتزم الحكام بتخسير سلطاتهم لتحقيق الصالح العام وحده - قد تقيد هذه السلطات بحدود هذا الصالح ولا تعدوه إلى غيره من المصالح. ومن جهة ثالثة ترتكز التكاليف العامة المفروضة على الأفراد من ضرائب وغيرها على العدل الاجتماعي، نظراً لأنّ أداء هذه التكاليف يقتضيه الصالح العام، وأوضح أنّ الاقتصاد الإسلامي - يعتبر بحق- منهجاً إلهياً كاملاً للحياة البشرية، يتم تحقيقه في حياة البشر، في حدود الطاقة البشرية والواقع المادي للحياة الإنسانية.

وتابع: من ناحية ثانية نجد أنّ الإسلام ينفرد منذ البداية بسياسة اقتصادية متميزة، من سماتها أنها لا ترتكز على الفرد فقط، أو الجماعة فقط، وإنما السياسة الاقتصادية الإسلامية قوامها يقوم على التوفيق والمواءمة والموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وبين أنّ التوزيع في المفهوم الإسلامي له سياسته الخاصة، والتي تقوم على أن لكل فرد حد الكفاية، والذي يعد من المفاهيم المرنة، التي يتسع مضمونها كلما ازدادت الحياة العامة في المجتمع الإسلامي يسراً ورخاء؛ لذلك يتعين على الدولة إشباع الحاجات الأساسية للفرد من مأكل وملبس ومسكن، وأن يكون إشباعها لهذه الحاجات كماً ونوعاً في مستوى الكفاية بالنسبة لظروف المجتمع الإسلامي وكذلك إشباع الحاجات غير الأساسية التي تدخل في مفهوم الكفاية تبعاً لارتفاع مستوى المعيشة، كما ناقش الباحث التنظيم الإسلامي للسوق وتحقيق المصلحة العامة وبين أن الضوابط الإسلامية للسوق تؤدي إلى تحريم الاحتكار، وتحريم الغش، وتشجيع الجلب، وتحريم بعض المعاملات الاقتصادية، والتسعير في حال الضرورة تحقيقا للخير العام، وتحريم الربا.

التحفظ في المعاهدات الدولية

وقال الأستاذ الدكتور راشد البلوشي في ورقة بعنوان (التحفظ في المعاهدات الدولية من منظور إسلامي) إن الدين الإسلامي دين محبة وسلام لا دين حرب وعداوة، حيث إن البشر شركاء على الأرض في الحياة بغض النظر عن ديانتهم ومعتقداتهم، ومن هذا المنطق يأتي عقد المعاهدات والإعلانات الدولية كأفضل وسيلة لتحقيق التعايش بين البشر وتنظيم العلاقات والتعاملات بين بعضهم البعض من أجل ضمن الجميع أمنه ومصالحه، ولكي يتسع التعاون بين الدول حيث أعطت هذه المعاهدات الحق للدول في التحفظ على بعض بنودها التي لا تتفق مع مصالحها وفقا للاعتبارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لذلك اعترف القانون الدولي بالتحفظ على المعاهدات الدولية كقاعدة عامة وذلك وفقا لأسس وقواعد حددتها الاتفاقيات الدولية والقضاء الدولي، وذكر ما نسبه الفقهاء في الشريعة الإسلامية من مصطلح التحفظ إلى الإجراء ذاته، فأطلقوا على استبعاد أو تعديل الدولة الإسلامية للأثر القانوني لبعض البنود الواردة في المعاهدة من سريانها، حيث أطلقوا عليه لفظ "بالشرط المقترن بالعقد"، و عرفوا التحفظ بأنه " أن تقترن المعاهدة بالتزام أحد أطرافها تجاه الآخر بأمر زائد عما توجبه المعاهدة مما يترتب عليه تعديل المعاهدة بالزيادة أو النقصان".

وأثار الأستاذ الدكتور عوض محمد عوض في ورقة بعنوان (الردة بين الحد والتعزير) عدة إشكالات يتعلق أولها بتحديد مفهومها والثاني بشبهة التعارض بين النقل والعقل بشأنها، والثالث بشبهة التعارض بين النصوص الشرعية ذاتها، وأكد الباحث أنّ الردة التي يتعين الوقوف عندها والبحث فيها هي الردة المحضة دون قرائنها ولواحقها، والردة بالمعنى الذي نقصده هي الخروج من الإسلام إلى غيره من الأديان أو إلى غير دين، فهي تعنى مجرد الخروج منه وليس الخروج عليه، سواء بالتشنيع عليه أو بدعوة الآخرين إلى الخروج منه أو بالانضمام إلى أعداء الإسلام والكيد له، فهذا كله وما هو من قبيله ليس من طبيعة الردة ولا هو من لوازمها، ولهذا فأمره يخرج عن نطاق البحث فيها، والخلاف في وجوب العقاب أو امتناعه على كل هذه الأفعال أو على بعضها ليس خلافا يتعلق بالردة ذاتها، ويرى الباحث أنّه لا يوجد نص قطعي على حد المرتد، وكان من الممكن قبول التعارض بين النقل والعقل والانتصار لحكم النقل وتغليبه على حكم العقل لو كان ثمة نص قطعي الثبوت والدلالة يوجب قتل المرتد حدا، يرى الباحث إنّ القائلين بوجوب قتل المرتد لا ينصرون الإسلام خلافا لما يظنون؛ فلا فائدة للإسلام ممن أضله الله بعد إذ هداه. ولا خير للإسلام في من أبطن الكفر وأظهر الإسلام تقية مخافة العقاب؛ فمثل هذا ضرره أكبر من نفعه. وإن الإسلام لا يعنيه الاستكثار من المنافقين، وإنما ينتصر فحسب بالمؤمنين الصادقين، ويخلص الباحث إلى أن الردة وإن كان الإجماع على أنها محرمة شرعا إلا أنه لا إجماع على العقاب عليها حدا، بل ولا تعزيرا، وحكمها في محل الخلاف.

ونبه الدكتور مسفر القحطاني في ورقة بعنوان (السلم المدني: وفكر التطرف الديني) إلى جملة معاني مهمة، ومن بين ذلك بيان أسباب التطرف في الواقع من خلال النظر إلى النظر إلأى واقع الأرض التي ينبت فيها التطرف، وكذلك المجال التاريخي الذي يدل على منشأ الأفكار وتطورها، ونبه في ختام كلمته إلى أنّ الغلو والإرهاب الإسلامي ورقة سياسية ميدانها الإعلام ومحرقتها دول الإسلام.

تعليق عبر الفيس بوك