راشد الوهيبي.. كفيف تحدى الإعاقة بالدراسة في الخارج والتحرر من نمطية الوظائف المتاحة

الرؤية - محمد قنات

تمكن راشد بن سليمان الوهيبي من شق طريقه التعليمي على الرغم من الصعوبات التي تفرضها عليه إعاقته التي لازمته منذ الصغر، واستطاع أن يدرس بالخارج وهو لا يزال في التاسعة من عمره، وواصل مشواره التعليمي حتى تخرج في الجامعة ونال فرصة وظيفية كباحث بوزارة التراث والثقافة.

لا يذكر الوهيبي اليوم الذي شعر بفقدانه نعمة البصر لأول مرة، لكنه يتذكر أنّه سأل والده وهو لا يزال في الرابعة من عمره عن سبب عدم تمكنه من التحرك بحرية وسرعة مثل أقرانه، وتكرار اصطدامه بالأشياء من حوله عند حركته، فقال له والده إنّه كفيف ولا يرى ما حوله مثل الآخرين.

ويقول الوهيبي: لم يختلف الأمر كثيرًا لدى، لأنني لم أبصر في حياتي حتى أتعرف على طبيعة الإبصار أو أندم على فقدانه، وكنت أعيش حياتي بكل أريحية لأنني فهمت ما أنا عليه، وما ساعدني على ذلك تعامل الجميع معي بلطف دون أن يشعرونني في يوم بأنني لا أبصر، حتى أصدقائي في حي الرملة بولاية قريات كنت ألعب معهم كرة القدم وأتسامر معهم وأزورهم في منازلهم ويزورونني، وعشت طفولتي بصورة عادية جدًا، لكن أكثر ما أحزنني أنني بعد عدة سنوات، وجدت جميع أبناء الحي الذين كنت ألعب معهم ذهبوا إلى المدارس وبقيت وحدي بالمنزل وأحياناً أذهب لتعلم القرآن فقط، وفي هذه الفترة شعرت بالفارق، لكنني لم أوجه لومًا إلى أهلي وأسرتي لأنني أعرف أنه لا يوجد لدى خيار الذهاب إلى المدرسة، لكن كنت على قناعة بأن هناك سبل تعلم للمكفوفين حتى وإن لم أتمكن من التعرف عليها الآن.

وعن نقطة التحول في تجربته، يقول الوهيبي: ذات يوم أخبرت أهلي برغبتي في التعلم وتمسكت بذلك وظلوا يبحثون لي عن طريقة لتحقيق رغبتي، وبدأ والدي يبحث عن مدرسة تستوعبني حتى عاد وأخبرني أنه وجد مركزًا للمعوقين بقريات وانتقلت للدراسة به، وكان مركزًا تقليدياً وبدائيًا وتعمل به معلمات متطوعات على سبيل الاجتهاد. وأخبرتني مديرة المركز بوجود معهد لتدريس المكفوفين بدولة البحرين وهو يُقدم المواد الدراسية بشكل علمي ممنهج، وسرعان ما طرحت الفكرة على والدي الذي وافق على الفور رغم تخوف بعض أفراد أسرتي من الفكرة لأن عمري وقتها لم يتجاوز تسع سنوات بعد، لكن والدي شجعني وأكمل إجراءات السفر إلى البحرين برفقة مجموعة من الطلاب المكفوفين باعتبارنا مبتعثين.

ويتذكر الوهيبي كيف كانت تجربته مع برامج التعليم الممنهجة في البحرين، فيقول: درست في معهد النور للمكفوفين تسع سنوات وفي هذه الفترة تشبعت بالعلم والمعرفة بفضل طريقة التدريس العلمية التي ساعدتنا كثيراً في محو أميتنا وتخرجت في معهد النور في الصف الثالث الإعدادي وكنت استمع إلى مختلف الإذاعات لاسيما إذاعة البي بي سي التي فتحت مداركي على كثير من شؤون الحياة وزادت من حبي للمعرفة والعلم في مختلف المجالات.

ويضيف: أكملت الدراسة في البحرين وعدت إلى السلطنة ودرست في الصف الأول الثانوي قبل أن أسافر لاستكمال تعليمي بالمملكة العربية السعودية وأتممت المرحلة الثانوية وتخرجت بنسبة تؤهلني لدخول أرقى الجامعات العربية، حيث كانت نسبتي وقتها 92 % وهو ما أهلني لدخول جامعة السلطان قابوس وتخصصت في علم التاريخ والصحافة.

ولم يكن المشوار بالسهولة التي يتحدث عنها الوهيبي، حيث يقول إنه خلال فترة الجامعة شعر بأن الكفيف يحتاج إلى مساحة أكبر حتى ينمي موهبته ويمارس أنشطته، ويضيف: أن المجتمع الجامعي يحتاج إلى مبادرة للتعرف على الكفيف حيث كان عددنا بالجامعة لا يتجاوز ثمانية طلاب مكفوفين وكانت تخصصاتنا بين اللغة العربية والجغرافيا والتاريخ والإنجليزية، وأسست مجموعة بكلية الآداب أطلقت عليها اسم إبداع البصيرة والعلوم الاجتماعية وأصبحت من أهم المجموعات التي ترفد الباحثين والمهتمين بقضايا المكفوفين وهي مستمرة حتى بعد تخرجي في الجامعة في العام 2011 وتواصل أعمالها حتى الآن في شتى المجالات.

ويتابع الوهيبي: عقب تخرجي في الجامعة توظفت بالمنتدى الأدبي في وزارة التراث والثقافة تحت مسمى وظيفي "باحث ثقافي" وهو ما يعد خروجًا عن النمطية السابقة في توظيف المكفوفين في المؤسسات، حيث اعتدنا أن يوظف الكفيف في البدالة أو يكون معلماً أو إماما لمسجد، والآن بات الكفيف باحثا ثقافيا ومترجما وغيرها من الوظائف المتنوعة.

ويختتم الوهيبي حديثه بقوله إنه ينظر إلى المستقبل بكل تفاؤل ويخطط لإنشاء قناة تلفزيونية خاصة بالمعاقين في الوطن العربي، تهتم بعرض قضاياهم وتبرز مواهبهم، لكن الأمر لا يزال في طور التخطيط والبحث عن الداعمين حتى يرى المشروع النور، لافتا إلى أن نظرة المجتمع للمعاقين في تطور مستمر وهو ما يظهر من خلال تكليف المكفوفين مثلاً بالعديد من المهام العملية التخصصية بعيدا عن النمطية التي اعتدنا عليها.

تعليق عبر الفيس بوك