متى نتقن فن إدارة الصراع؟

فهمي الكتوت

نجحتْ الدبلوماسية الإيرانية في الوصول الى اتفاق إطار مع الدول الست الكبرى؛ بعد أشهر من المفاوضات الصعبة والشاقة في لوزان، أعلن كل من محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران، وفيديريكا موجريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي -في بيان مشترك- نص الاتفاق الذي تضمَّن الاعتراف بإيران دولة نووية ضمن سلسلة من التدابير الضامنة لسلمية برنامجها النووي، مُقابل رفع العقوبات الاقتصادية على إيران. قوبل البيان المشترك بترحيب عالمي من مختلف الأوساط الدولية، باستثناء نيتنياهو الذي اعتبر الاتفاق سيهدد وجود "إسرائيل". اللافت أن إسرائيل والكونجرس الأمريكي -برئاسة الحزب الجمهوري، الذي يُمثل غلاة اليمين- وبعض العواصم العربية، عبَّروا عن رفضهم المسبق لأي اتفاق مع إيران. فلم تخف بعض العواصم العربية قلقها حول نتائج المفاوضات!

علما بأن تفكيك واحد من أخطر الملفات في الشرق الأوسط، ينزع فتيل حرب محتملة خططت لها "إسرائيل" وحاولت جر المنطقة إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة النتائج. لكن السؤال المطروح: إنَّ اتفاق لوزان الذي وُصف بالتاريخي هل سيفتح آفاقا أمام حل الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط؟ خاصة وأن الدول الست وإيران الذين توصلوا لاتفاق لوزان هم أنفسهم الذين يشكلون أطراف الصراع الدائر في عدد من العواصم العربية؛ فالحرب المجنونة التي شنها التحالف على اليمن ما كان لها أن تنطلق لولا الدور المحوري للولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت تأييدها وتقديم الدعم اللوجستي لها!

ومن المفارقات الغريبة: أنْ تسعى الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي للوصول إلى اتفاق مع إيران، يضمن استمرار البرنامج النووي السلمي الإيراني، وإلغاء العقوبات على إيران، ويفتح الباب أمام الاحتكارات الرأسمالية في الدخول بصفقات اقتصادية واسعة انتظرها الطرفان الإيراني والغربي. ومن جهة أخرى تشجِّع السعودية وحلفاءها على شن حرب على اليمن قد تشعل حربا إقليمية!

ما معنى ذلك؟ ألا يُعيدنا الموقف الأمريكي إلى الدور الذي لعبته في إشعال حرب الخليج الأولى والثانية في النصف الثاني من القرن الماضي، بتشجيع إيران والعراق على إشعال حرب استمرَّت ثماني سنوات، قدَّم الشعبان العراقي والإيراني خيرة أبنائهما وقودا لها، واستنزفت طاقات بلدين نفطيين، أنفق عليها أكثر من 400 مليار دولار، وكان المستفيد الوحيد منها الاحتكارات الرأسمالية؟!! وفي العام 1990، شجَّعت أمريكا العراق على دخول الكويت، وجر العراق إلى أتون حرب أدت إلى احتلال العراق، وتمزيق الدولة وتفتيت النسيج الاجتماعي، وحُوِّل البلد الشقيق إلى مذاهب وطوائف وقبائل متصارعة.

متى يُدرك حكام المنطقة من عرب وأتراك وإيرانيين أنه ينبغي حل الخلافات بالطرق السلمية عبر المفاوضات المباشرة، وأنَّ صراعاتهم لا تلغي وجودهم التاريخي في المنطقة، لكنها تجير ثرواتهم لصالح الاحتكارات الرأسمالية؟ فالعدو المشترك والمفترض "إسرائيل" التي اغتصبت فلسطين مهد الأنبياء وأرض المقدسات، تسامح النظام العربي معها وفتح ذراعيه لاستقبال قادة الكيان الصهيوني، وعقد معها "اتفاقيات سلام"، والاحتلال ما زال جاثما على أرض فلسطين!

في حين تُواصل قوات التحالف قصف المواقع الحيوية في اليمن، ويواصل الحوثيون تقدمهم على الأرض، باحتلال القصر الجمهوري في عدن، ولم يكشف التحالف عن توجهات لحل المشاكل بالطرق السلمية. وهناك مخاوف من تطوير المشروع السعودي بإرسال قوات برية وتكرار مأساة حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي التي استمرت ثماني سنوات بين مصر والسعودية، أما الموقف الإيراني الذي اقتصر على رفض الهجوم العسكري على اليمن، والمطالبة بحل سياسي للازمة؛ فهو غير معني في الدخول بمعركة جديدة تفسد عليه نجاح لوزان.

ويجري الحديث عن مبادرة عمانية لحل الازمة بالطرق السلمية، وعلق وزير الخارجية العماني بأنَّ عمان على استعداد لمساعده الأمم المتحدة في الوساطة، لكنَّ الأطراف المتحاربة لا تبدي أية مؤشرات لإجراء مُحادثات لإنهاء الحرب، وقال بن علوي إنَّ مساعي السلام ينبغي أن تحال إلى مجلس الأمن الدولي، وأن يتم استضافتها في أي مكان خارج الشرق الأوسط.

أما الخاسر الأول، فهو الشعب اليمني، الذي يدفع ثمنا باهظا للحرب؛ فالاقتصاد اليمني يعاني من حالة الركود، ويقدر خبراء الاقتصاد أنَّ 50% إلى 70% من القطاعات الاقتصادية اليمنية مهددة بالإفلاس، وقد توقف 50% من إنتاج النفط منذ عام 2011 وحتى نهاية 2014، ويعاني اليمن من ارتفاع معدلات التضخم، كما تعاني من ارتفاع معدلات البطالة التي تقدر بحوالي 50%، وتواجه العملة اليمنية تحديات كبيرة، وناشد محافظ البنك المركزي مختلف القيادات دعم استقلالية البنك المركزي اليمني ومراعاة الآثار الاقتصادية لأية قرارات أو إجراءات تتخذ خلال هذه المرحلة. كما أنَّ نصف السكان يعانون من الفقر، فقد أعلنت منظمة اليونيسيف إن 14.7 مليون شخص باليمن من إجمالي عدد السكان البالغ 25.8 مليون نسمة يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.. مؤكدة التزامها بالبقاء واستمرار دعم الأطفال رغم تفاقم الأزمة السياسية في البلاد. ومن المتوقع تفاقم الازمة الاقتصادية مع استمرار الحرب.

تعليق عبر الفيس بوك