10 أسباب وراء عدم مشاركة عُمان في حرب اليمن

 

ناصر أبو عون

لم تكن سلطنة عُمان الدولة العربية الوحيدة التي لم تشارك في العملية العسكرية الموسعة التي أطلقتها السعودية في اليمن بمشاركة 100 طائرة و150 ألف جندي. وفي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات السعودية أنّ مصر، والمغرب، والأردن، والسودان وباكستان، تطوعت للمشاركة في العملية العسكرية ضد الحوثيين التي أطلق عليها "عاصفة الحزم". وأربعة من دول مجلس التعاون الخليجي هي البحرين والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر التي تعهدت بالمشاركة في العملية، أما سلطنة عمان فلم تكن الدولة الوحيدة التي لم تشارك في العملية بل أعلنت الجزائر، والعراق، وسوريا عدم المشاركة. ولكل دولة الحق في تبرير موقفها من الحرب غير أنّ سلطنة عمان لديها الأسباب الوجيهة في عدم المشاركة ومن أهم هذه الأسباب:

أولاً - استقلال القرار الوطني العُماني ووضع مصلحة الشعب العُماني والأمة العربية فوق كل اعتبار هي المعيار الأساس في أيّ تحرك عماني على الساحة الدولية والإقليمية. ومواقف السلطنة من كامب ديفيد والعلاقات مع مصر والحرب العراقية الإيرانية وحرب تحرير الكويت، والوساطة في الملف النووي الإيراني خير دليل على الدور العُماني النزيه والسيادي في العالم. وهو ما أكده السلطان قابوس المفدّى في خطاب العيد الوطني العاشر المجيد [18/11/1980]، قائلا: [إننا نعتبر أنفسنا أعضاء في العالم الثالث، ونحن نفخر ونعتز بانتمائنا العربي، وليست لدينا رغبة في توريط أنفسنا في صراعات الدول العظمى أو خدمة مصالح الآخرين. كل ما نُريده فقط هو أن نُترك وكل بلدان المنطقة في سلام، وأن نلعب دورنا في خدمة قضية السلم العالمي، وهنا لا بد من أن نؤكد للجميع أن رغبتنا في السلام لا تنبثق من شعور بالضعف، نحن إذا تعرضنا إلى أيّ عدوان فإننا سندافع عن بلدنا بكل قوانا)..

ثانياً - تأتي في مقدمة أولويات السلطنة الاهتمام ببناء صداقات وعلاقات تعاون بين (الشعوب) لإيمانها بأنّ الحكومات تتعاقب والسياسات تقودها المصالح وتغيّرها الاستراتيجيات. لكن العلاقة الأبدية والأواصر المتينة تصنعها الشعوب. وعلاقة عُمان (شعبا وقيادةً باليمن الشقيق) تحكمها علاقات نسب، وقرابة وهو مبدأ أقرّه السلطان قابوس المفدّى في خطابه أمام الانعقاد السنوي لمجلس عمان [04/11/2002] قائلاً: (سياستنا الخارجية معلومة للجميع. فنحن د‏ائمًا إلى جانب الحق والعدالة والصداقة والسلام وندعو إلى التعايش السلمي بين الأمم وإلى التفاهم بين الحضارات وإلى استئصال أسباب الكراهية والضغينة التي تتولد في نفوس من يعانون من الظلم، وعدم المساواة. ففي ذلك الخير كل الخير للبشرية جمعاء) .

ثالثا- سلطنة عُمان دولة مؤسسات من الطراز الأول، وتؤمن بمبدأ الفصل بين السلطات ولديها مجلس شورى منتخب، ومجلس دولة اختصاصي، والعديد من المؤسسات السيادية التي يكون فيها القرار (شورى)، ولديها مصادر استخباراتية قوية للمعلومات ولا يمكن أن تخطو خطوة في أيّ اتجاه دون دراسة أو استشارة. وهذا المبدأ أشار له السلطان قابوس المفدّى في خطاب افتتاح المجلس الاستشاري للدولة [3/11/1981]، موضحًا (بأنَّ التجارب الإنسانية قد أكدت ولا تزال تؤكد في كل زمان ومكان أن أسلوب التقليد المجرد، أسلوب عقيم وأن أسلوب الطفرة أو القفز فوق الواقع العملي والظروف الموضوعية لأيّ مجتمع يؤدي دائمًا إلى مخاطرة جسيمة، لهذا نرفض التقليد، ونرفض الأخذ بمذاهب وأنظمة الطفرة ونؤثر أسلوبنا الواقعي في التفكير والتطبيق بعد أن أثبتت مسيرتنا صحته وجدواه ونحن لا نخطو إلا بعد دراسة عميقة وقناعة تامة وحين نمارس العمل فإننا نراقب ونرى النتائج. رائدنا في ذلك الاستجابة لمنطق التطور والانفتاح على رحابه الواسعة والسير نحو أهدافنا بخطى واثقة) .

رابعًا - مواقف سلطنة عمان الدولية والإقليمية تؤكد (قولا وفعلا) أنّها ترفض المشاركة بقواتها العسكرية في أتون حرب قد تفتح ثغرة في جدار وحدة الشعوب الخليجية لتطل عبرها (الطائفية، والمذهبية، والعرقية) برأسها فتأكل الأخضر واليابس. حيث بدأت بواكير المذهبية تطل برأسها مع بداية هذه الأزمة حيث تظاهر الآلاف في صنعاء تأييدًا للحوثيين ورفضًا للتدخل العسكري الذي تقوده السعودية ضدهم في اليمن، إلا أن الآلاف خرجوا إلى شوارع مدينة تعز في جنوب غرب البلاد تأييدا للسعودية. ويأتي رفض سلطنة عمان للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين نابعًا من الإيمان بقواعد السياسة الخارجية التي أرسى دعائمها السلطان قابوس المفدّى وفي مقدمتها ما تحدّث عنه في خطاب العيد الوطني السابع عشر[18/11/1987] مؤكدا ‏(إننا جزء من هذا العالم نتفاعل مع ما يدور حولنا من أحداث بكل الإيجابية والوضوح، ونكرِّس كل إمكانياتنا للمشاركة الموضوعية والفعَّالة لخدمة قضايا السلام والتعاون على المستويات الإقليمية والدولية كافة وإن سياستنا كانت وما زالت تعبر عن اهتمامنا الدائم بتهدئة الأوضاع في المنطقة وتعزيز فرص الحوار بين الأطراف المتنازعة لحل خلافاتها بروح الوفاق والتفاهم).

خامسًا - سلطنة عمان ليست داعية حرب وإنما دولة سلام وتؤيد المواقف الدولية التي ترى في الحوار بين الأطراف المتنازعة سبيلاً وحيدًا للخروج من الأزمة وهو ما قالت به بعض الأطراف الدولية فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية بدء العمليات العسكرية في اليمن، بناءً على طلب من حكومتها، (إنّ المفاوضات لا تزال الخيار الوحيد لحل الأزمة اليمنية).، و(دعا جميع الأطراف والدول الأعضاء إلى تجنّب اتّخاذ أيّ أفعال من شأنها تقويض وحدة وسيادة واستقلال اليمن وسلامته الإقليمية). كما طالب مجلس الأمن في بيانه، الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخّل الخارجي الذي يسعى إلى إثارة الصراع وعدم الاستقرار، وحثّها بدلاً من ذلك على دعم عملية الانتقال السياسي). كما التقت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموندا واتفقا على أن التوصل لحل سياسي من خلال التفاوض هو أفضل نتيجة للأزمة في اليمن).

سادسًا - ترفض سلطنة عُمان استخدام القوة العسكرية المسلحة تجاه الأشقاء ودول المنطقة وأسست لقوات مسلحة وطنية (خالصة) لا تخوض حربًا بالوكالة ولا ترضى لنفسها أن تكون شرطيًا ذات عقيدة قتالية ذات مبادئ ثابتة، حدَّد معنى كلمة (عدو) جيدًا ويعرف بوصلته وهو ما أكده السلطان قابوس المفدّى بقوله: (إننا لن نتردد أبدًا في الدفاع عن سلامة هذا الوطن الغالي ضد أي اعتداء بكل الوسائل الممكنة. إننا نضع العالم أجمع أمام حقيقة لا تقبل الجدل إننا ماضون في سياستنا) [خطاب جلالته في العيد الوطني الخامس 18/11/1975].

سابعًا - ترفض سلطنة عمان الأحكام العاطفية ولا تؤمن بسياسة ردود الأفعال ولا تنافس جيرانها أو دول العالم على زعامة وقيادة المنطقة وعلاقاتها مع جميع دول العالم (الأشقاء قبل الأصدقاء) تحكمها مبادئ وضعها السلطان قابوس في بداية السبعينيات من القرن العشرين في خطاب العيد الوطني الرابع، 18/11/1974م] الذي جاء فيه: (وضحت الصورة أمامنا تماما وعرفنا من خلال عمل متواصل موقع قدمنا وقد وضعناها ووجَّهناها وجهةً نابعة من صميم إرادتنا وموقفنا من أيّ دولة يتحدد على ضوء موقفها من قضايانا الوطنية واحترام سيادتنا التي لا تسمح بأيّ تدخل في شؤوننا ورفض أي محاولة للتأثير على سياستنا أو توجيهها مهما كان مصدرها) .

ثامنًا - تلعب سلطنة عُمان دور الوسيط في عمليات السلام، ودائما تظل هي البوابة المفتوحة للعرب جميعاً ودول المنطقة للدخول منها إلى أية تسوية سلمية .

تاسعًا - تحترم سلطنة عُمان رغبة الشعوب في اختيار نظامها السياسي وتؤمن بالتعايش السلمي ولذك ترفض تغيير الأنظمة بالقوة أو المشاركة في تثبيت نظم سياسية لا تضعها الشعوب. وهو مبدأ أعلنه السلطان قابوس المفدّى في خطابه أمام الدورة الرابعة لمؤتمر وزراء خارجية دول الخليج [25/11/1976] قائلا: (نحب أن نؤكد أن سلطنة عمان ليست ضد أيّ دولة كانت، بصرف النظر عن النظام السياسي القائم فيها ما دام النظام يتلاءم ورغبة الشعب في كل دولة، بل تؤمن بالتعايش السلمي مع كل الدول بشرط عدم تدخلها في شؤوننا الداخلية) .

عاشرًا - تؤمن عُمان بمبدأ الوفاق الأخوي وتعتبره حجر الزاوية في سياسة عُمان الخارجية وهو مبدأ أشار إليه السلطان قابوس المفدّى بقوله في خطابه بمناسبة العيد الوطني السابع 18/11/1977، قال فيه (إنّ عمان قد دأبت باستمرار على أن تقوم بدورها كاملا على المسرح العالمي بالتعاون مع كل الدول الصديقة في سبيل الدفاع عن حرية الإنسان وعزته وكرامته، وقد واصلنا أيضاً العمل بالتعاون والوثيق بروح تتسم بالوفاق الأخوي في إطار جامعة الدول العربية دفاعًا عن القضايا العربية، إنَّ هذا الدور الذي يقوم به بلدنا سيبقى دائمًا حجر الزاوية في سياسته الخارجية) .

Nasser_oon@yahoo.com