ليس دفاعا عن أحد.. بل رفقا بالأمة

فهمي الكتوت

تلتئم القمم العربية -عادة- لإصدار بيانات الشجب والاستنكار "لردع" العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني منذ العام 1948؛ مُستفيدة من بلاغة الخطاب العربي في مواجهة الاحتلال البغيض، تاركة أطفال القطاع يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في برد ديسمبر القارس، بانتظار إعمار منازلهم التي دمرها العدوان الصهيوني! لم تلتئم القمم العربية في مواجهة التحديات الخطيرة التي تمثلها الحركات المتطرفة التي احتلت مناطق واسعة من سوريا والعراق، وتمارس هواياتها بقطع الرؤوس وبيع السبايا! أو لوقف الحروب المذهبية والأهلية التي فتكت بالنسيج الاجتماعي في الوطن العربي.. لم تلتئم لمواجهة الفقر والبطالة!

وللتذكير؛ التأمت القمة العربية في العام 1990 بدعوة من حسني مبارك لإعطاء شرعية للعدوان الأمريكي على العراق، واليوم لتأجيج الصراع الدائر في اليمن، بدلا من استخدام الثقل العربي لحل الأزمة اليمنية بالطرق السلمية؛ فالخيار العسكري جُرِّب في عدد من الأقطار العربية، تمخض عنه قتل الأبرياء وتدمير الأوطان وتشريد السكان.

ليس دفاعا عن الحوثيين أو الإيرانيين، بل رفقا بحال الأمة التي وصلت إلى القاع. كان على النظام العربي القيام بمسؤولياته تجاه قضايا الأمة لحل المشاكل المتفاقمة، وهي كثيرة.. بدلا من فتح جبهات عسكرية جديدة تهدد بصراع إقليمي لا تحمد عقباه، كان على التحالف الجديد أن يستثمر إمكانياته غير المحدودة في إقامة مشروع عربي في مواجهة الأطماع الأجنبية في المنطقة. فلم يعد خافيا على أحد أنَّ هناك ثلاثة مشاريع في المنطقة في ظل الغياب العربي الذي يعيش أسوأ حالاته، من التمزق والتشظي: المشروع الأول؛ صهيوني توسعي وهو الأشرس والأكثر خطورة على المنطقة بأكملها، والعدو الحقيقي للأمة، والثاني تركي يسعى لإعادة نفوذ الدولة العثمانية، حاول الاستفادة من تحالفاته مع الإخوان المسلمين ويحتضن المعارضة السورية حاليا. أما المشروع الثالث فإيراني؛ بعد أن أصبحت إيران لاعبا رئيسيا في المنطقة، مُستفيدة من التناقضات المتعددة في المنطقة بما في ذلك التناقض الرئيسي بين حركة التحرر العربي والعدو الصهيوني، بدعم ومساندة المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة الاحتلال.

فالكيان الصهيوني سيبقى العدو الحقيقي للأمة العربية رغم أنف المتصهينين، في حين علينا الاعتراف بوجود مصالح إقليمية للقطبين الأخيرين، إلا أنَّ هذه المصالح ينبغي ألا تكون على حساب مصالح الوطن العربي، فما الذي يمنع التحالف العربي الذي أعلن عن "عاصفة الحزم" من القيام بدور سياسي فاعل ومؤثر لحل مشاكل المنطقة بأكملها بدءا من الأزمة السورية، مرورا بالأزمات العراقية واللبنانية والليبية والسودانية، وانتهاء باليمنية بالطرق السلمية. والتصدي للعدوان الإسرائيلي، ليثبت جدارته بملء الفراغ وحل مشاكل الأمة؛ فإذا كان النظام العالمي تمكن من فتح حوار مع الدولة الإيرانية لحل أعقد القضايا بالطرق السلمية، فما الذي يمنع إذن النظام العربي من الدخول في حوار مباشر مع إيران لحل المشاكل الإقليمية بالطرق السلمية، بدلا من زيادة مأساة الوطن العربي، وإشعال حرب جديدة قد تشعل لهيب حرب إقليمية؟

أما السؤال البديهي والمشروع؛ فهو: ما موقف التحالف الجديد من الاحتلال الصهيوني لفلسطين؟ في ظل تشكيل قوة السلام العربية، خاصة بعد إعلان نتنياهو إلغاء شعار "حل الدولتين"، والتعهد بعدم إقامة دولة فلسطينية، بمعنى آخر الرفض الإسرائيلي المطلق للحل السياسي، ورفض قرارات الشرعية الدولية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك مبادرة السلام العربية التي قدَّمها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز حين كان وليا للعهد في مارس 2002، والتي أقرتها القمة العربية المنعقدة في بيروت.

فالتحالف العربي بقيادة السعودية يمتلك قوة سياسية واقتصادية وعسكرية قادرة على إحداث تغييرات على الأرض فيما لو استثمرت هذه الإمكانيات لصالح الأمة؛ فقد اعتبرت المملكة العربية السعودية رابع أعلى دولة في مجال الإنفاق العسكري وفقا لما أورده معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام؛ حيث أنفقت الرياض في العام الماضي فقط 67 مليار دولار من أصل تريليون و747 مليار دولار مجموع ما أنفقه العالم، وبلغت نسبة الزيادة السعودية 14% عن العام الماضي. كما ارتفعت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من 366 مليار دولار في العام 2009، إلى 729 مليار دولار في العام 2013. وجمعت هذه الدول احتياطيات مالية تقدر بـ2.45 تريليون دولار، راكمتها خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط، وهي تدير نحو 2.28 تريليون دولار عبر صناديقها السيادية.

ورغم الإمكانيات الضخمة التي تمتلكها الدول العربية -خاصة الخليجية منها- إلا أنَّ أكثر من "خُمس العرب" يعيشون تحت خط الفقر، وقد سجَّلت المنطقة العربية أقل المناطق الإقليمية في الدول النامية تقدما في تخفيض نسبة الفقر المدقع بين عامي 1990-2010. كما ارتفعت معدلات البطالة في عدد من الدول العربية في نهاية العام 2013 لتصل إلى حوالي 22 مليون عاطل عن العمل في الوطن العربي. ومن المتوقَّع أنْ يصل عدد العاطلين عن العمل في العام 2025 إلى نحو 80 مليون عاطل عن العمل -وفقا لتقرير صادر عن المركز الدبلوماسي للدراسات الإستراتيجية.

تعليق عبر الفيس بوك