باقات بلا أريج في عيد الأم

جمال القيسي

يا جماعة، الدنيا الصبح.. الله يصبحكو بالخير. يوم السبت (الماضي طبعا يعني رح يكون اللي جاي) فاضت المشاعر عن حدها بمناسبة عيد الأم، الأم. الأم. الأم. يامو يا مو يا ست الحبايب يامو على رأي دريد لحام.

اشتعلت مواقع التواصل وأحرقت الأزرق والأبيض على فيسبوك أي الأخضر واليابس بلغة العرب. علت الأصوات تقدم أدلة البر بالسيدة الوالدة، كلمات ليست كالكلمات، صور لأزهار وباقات ياسمين كبيرة (اللي ببلاش كثر منه).

الله يعين الأمهات على هيك خلفة!

المهم.. هذا كان حال بعض الراقصين في حفة عيد الأم، لكن آخرين بلا أمهات قرروا أن يشاركوا أيضا في فرح الجيران، لكنهم لم يقدموا لهم التهنئات، بل أعلنوا أنهم بلا "أم فماذا يفعلون في عيد الأم؟!".

ومن هناك يطل "بوست" يظهر فيه الناشر مع أمّه والضحكة البلهاء تملأ تعابير ملامحه، ويرفق شرحًا للصورة "ست الحبايب.. أغلى من روحي ودمي".

الله يعطيك العافية.. نشكرك على هذه الإضافة العظيمة.

في هذه المناسبة، لابد أن تضاف متلازمة "ست الحبايب" إلى متلازمة "الزمن الجميل" كي تكتمل الحلقة بـمتلازمة "منوّر" والمسفوحة من الأصدقاء تعليقا على الصور الشخصية لأصدقائهم. (أصدقاء وأصدقاؤهم وكلها صداقة بصداقة.. ما في أي عداوات والحمد لله)

ايييه.

حفلة زار ومزار أقامها البارّون بأمهاتهم، يجترحون الكلام من هنا وهناك، وسرقة أدبية من هنا، ونصف لطشة من هناك، وربع اجتهاد لغوي يخرب السرقات، والنتيجة من كل قطر أغنية و"طبيخ شحاذين"، مع الاحترام لشاحذي الهمم.

تكتمل العبارات الرنانة الهتافية المسروقة في باقة صماء لا أريج فيها ترفع للأم في عيدها السنوي. جميل أنّه سنوي ولم يقرروا أن يكون كل قرن!

لا بأس بالسرقات الأدبيّة في هذا المقام، فالناس لـ "بعضيها" والست الوالدة والدتنا كلنا. على رأي إخوتنا المصريين، لكن لفت نظري في كرنفال عيد الأم صورة أحدهم على الفيسبوك وهو يقف أمام شاهد قبر والده (لا والدته) ويقول: "كل عام وأنت بخير يا أمي"!

انتهى الاقتباس.

حشيش أصلي أم هناك ما وراء الأكمة؟!

صاحب الصورة ليس مراهقا ولا فتى، بل رجل في الأربعينيات، ومهتم بالسياسة والأدب وينشر آراءه في هذين المجالين بتقدير مقبول، ومفهومة لي على نحو مقبول أيضا، لكن الصورة عند قبر أبيه والتهنئة لأمه غير واضحة. لم أفهمها.

فكرت فيها، مستخدما طرائق التحليل النفسي ومبدأ الشك الديكارتي ومقاربات التفكيكية والبنيوية، وما إلى ذلك من أدوات أفهمها تماما ولم أفهم القصة، ولم أجد لنفسي العذر عن الكف عن المحاولة نحو فهمها.

قلت سأدع كل هذه الطرائق الاستكشافية من التحليلات العلمية البائسة! سأدعها وأتحرى الجواب من خلال تعليقات أصدقاء الصديق على البوست، لعلي آتيكم منهم بقبس جواب.

لكن تعليقات أصدقائه، كانت بحاجة إلى تأويل التأويل؛ أحدهم قال الله يرحمهم. وآخر علق: "إلى جنات عدن كان "رجلا مؤمنا"..".

ولكن التعليق الذي لا يملك تأويله أحد ولا الراسخون في العلم، ما قاله أحدهم، إذ قال: "عدت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر . أحسن الله العزاء".

كل هذه الحفلة، يا جماعة، في عيد الأم. حفلة ما لها من دواع سوى استجلاب الهمم البلاغية والترانيم اللفظية، وأيضا، تتضمن حالة مثيرة للبحث والدرس من رغبة أعداد هائلة في لعب دور الضحية بتضخيم صورة اليتم، وهي صورة غير عادية في الحقيقة، لكن غير العادي هو استباحة هذه الحالة الإنسانية العميقة الملفعة بالأسى والفراغ، على الملأ.

كل إنسان يحق له فعل ما يريد دون التعدي على حرية الآخرين. سليم. (كلام جميل ما أقدرش أقول حاجة عنه) . لكن لنا الحرية أيضا في الدفاع عن الحد الأدنى، والخط الأحمر لمستوى البلاهة الذي لا يجوز لأحد تخطيه، لأن المسألة ستكون معاناة حقيقية، وستحولنا من موضع السخرية الفضفاضة كحالة سحرية رومانسية، إلى حالة من الخصام مع منظومة فهم متراصة، تقيم بين ظهرانينا على أنها أصل الأشياء وقبلة الذائقة!

ألا تبا للفيسبوك، أحيانًا كثيرة يقول الناس.

لكنّ الفيسبوك لم يضرب أحدًا على يده كي يدخل عالمه. وإن كان ثمّة شجاعة لدينا نحن الذين لم نعد نحتمل فلنغادر أو نقنن هذه الصداقات، وسأقول على لسانهم (لم يفوضني أحد بالتحدث على لسانهم بالمناسبة): انزلوا من أبراجكم العاجية واستمعوا لنا. نحن لنا مشاعر أيضًا نعبر عنها بطريقتنا، ونحن اليوم لدينا عرس وطني قومي عالمي اسمه "عيد الأم" فبحق الغوالي دعونا وشأننا. نغني لست الحبايب، وفي السياق الفيسبوكي، سنسفك دم لفظة "منور" حتى تنطفئ؛ نكاية بكم، وإن كان أحد منكم بقادر على تزويدنا بكلمة معبرة غير "منور" للتعليق على الصور، فلينوّر علينا الله ينور عليه في يوم الأم ويوم القيامة.

لاجواب على ما سبق، أما في ما يتعلق ببديل لكلمة منور؛ أقترح بدل "منوّر" أن يكون التعليق: "أديسون".

تعليق عبر الفيس بوك