اعرف وطنك

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

المعرفة هي نتاج تفكير العقل البشري، وهي حالة من الإدراك والوعي للواقع الذي يعيشه الإنسان، وتمثل كل ما هو مرتبط بإنجازاته الفكرية والإبداعية، وهي تمر بمراحل من البناء والتطور فكلما كان الإنسان أكثر فاعلية وإنتاجا؛ زاد معه حجم المعرفة، حتى وصلت اليوم لمرحلة أطلق عليها الانفجار المعرفي، وتكمن أهميتها في مدى مقدرة الإنسان على استيعابها وفهمها، فبدون المعرفة يعيش الإنسان مرحلة المجهول ولا يستطيع أن يحقق أهدافه؛ لأنّه لا يمتلك المعرفة التي تمكنه من المضي قدماً في السعي نحو الاستفادة مما هو متاح أمامه فيظل رهين الجهل وعدم التغيير، ومن بين المعارف التي يتوجب عليه معرفتها كل ما هو مرتبط من معلومات ومعارف بالوطن الذي يعيش فيه أو الإطار المكاني، وهذا ما يمكن تسميته بالمعرفة الوطنية، وهذه تشمل كل ما هو متعلق بالوطن كالمعرفة التاريخية، والجغرافية، والإدارية، والقانونية، والسياسية، والبرلمانية، والاجتماعية، والاقتصادية؛ ومعرفته بكل هذه المعارف والمعلومات تساهم في تثقيفه بكل احتياجاته من حقوق وواجبات مرتبطة بأدائه كمواطن، وتسهم في جعله شخصية مؤثرة في المجتمع لأنه قادر على أن يصبح مواطنا مسؤولا يتحمل جزءًا من المشاركة في المنجزات الحضارية، ومع ذلك كان يتبادر إلى ذهني سؤال، هل نحن نمتلك المعرفة الكافية عن هذا الوطن؟ وهل هناك دلالات على أن هناك معرفة شاملة؟ أما أن هناك العديد من أبناء هذا الوطن لديهم نقص كبير في هذه المعرفة، ولا يعرفون تاريخ هذا الوطن، ولا جغرافيته وما تضمنه من تنوع جغرافي في كل بقاعه؛ ولا القوانين والأنظمة والحقوق والواجبات المرتبطة بهم كمواطنين، فهنا تكمن المشكلة؛ ولكن لماذا لم تستطع مناهجنا الدراسية بناء تلك المعرفة؟ وأين بقية مؤسسات المجتمع الأخرى من ذلك؟.

هذا الأمر يقودنا للعودة لصياغة مجموعة من الافتراضات حول مدى حجم تمكن المواطن من المعرفة الوطنية وما نوع المعرفة التي يمتلكها، مما يدفعنا للدراسة البحثية والتي تمكننا من إصدار أحكام في ضوء المؤشرات العلمية، ولكن هناك مجموعة من المؤشرات مكنت بعض المختصين أن يدركوا أن هناك عجزا كبيرا في حجم المعرفة الوطنية لدى المواطن، فعندما تجري نقاش أو حوار فردي تتضح لك الرؤية وتدرك أننا بالفعل لدينا مشكلة في مجال المعرفة المرتبطة بالوطن، فمن لا يعرف تاريخه ولا الأحداث التي كانت لها تأثير كبير في بناء الحضارة العُمانية، ولا يعرف جغرافية البلد ولا التقسيمات الإدارية وأهميتها، والنظام الأساسي للدولة، فكيف يستطيع أن يصبح فرداً مؤثرا في المجتمع وهو يعيش في المجهول؟.

فهذا الأمر له انعكاسات على المستوى الاقتصادي، والتعليمي، والانتماء الوطني، مما يؤثر على مقدرة المواطن على المشاركة الإيجابية في المجتمع، وهنا يؤكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد على أهمية المعرفة "لطالما أكدنا على أهمية العلم والمعرفة، وضرورة متابعة مستجداتهما بكافة السبل المتاحة بذهنٍ متقد على أساس من التدبر والتجربة. وما تأكيدنا على العلم النافع إلا إدراك منِّا بأنه هو المنطق الصحيح لكسب المعارف ونيل الخبرات والمهارات بما يمكن هذه الأجيال والأجيال القادمة من الإسهام إسهاماً فاعلاً في خدمة وطنها ومجتمعاتها" مما دفع بعض المؤسسات التربوية إلى تبني العديد من المبادرات والمشاريع الوطنية بحيث تتمكن من تنشئة أفراد المجتمع على مستوى عالٍ من الثقافة والمعرفة، ومن بين هذه المبادرات التي تميزت بالنجاح منذ تطبيقها عام 2014 مبادرة "اعرف وطنك" والتي تبنتها المديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة على يد مشرفي الدراسات الاجتماعية والذين بادروا بأخذ زمام الاهتمام ببناء مشروع وطني يسهم في رفع مستوى المعرفة الوطنية لدى الطلبة، ويهدف للاستفادة من معطيات التاريخ العُماني، بما يخدم الحاضر ويستشرف المستقبل، وترسيخ مضامين الهوية العُمانية لدى فئات المجتمع، مع الاهتمام ببيان الأهمية الجغرافية والإستراتيجية لموقع عُمان على الخريطة العالمية، ونشر ثقافة القراءة التاريخية والجغرافية المتعلقة بسلطنة عُمان، وتعزيز مشاعر الانتماء للوطن والافتخار بمنجزاته، والتعاون مع المؤسسات المختلفة لتعزيز الجوانب المتعلقة بتعزيز المعرفة الوطنية، وانطلق هذا المشروع بإجراءات خرج عن النطاق التقليدي وتميزت بالرغبة البنائية الذاتية من المتعلم للبحث عن المعرفة مما يثبت الاستقرار وينمي قوة الانتماء لديه، مما أسهم في نجاحه بحيث استفادت منه شريحة كبيرة من الطلبة والمعلمين، وبدأ المشروع ببداية تجريبية على عدد محدود من المدارس ثم سارعت العديد من المدارس للمشاركة فيه حتى أصبح عددها (12) مدرسة، وقد وجد المشروع ترحيبا وقبولا كبيرين من الطلبة والمعلمين مما أسهم في تحقيق العديد من أهدافه، خاصة وأنه تميز بالتنوع في برامجه والاستمرارية من خلال فعاليات متنوعة، ويطمح معدو المشروع إلى أن تتم مشاركة معظم المدارس العُمانية فيه، بحيث يستطيع بناء معرفة وطنية شاملة لدى أبنائنا الطلبة، لذا فكلمات الشكر لا توفي حق هؤلاء التربويين من مسؤولين ومعلمين وطلبة الذي أخذوا على عاتقهم هذه المهمة الوطنية، فشكرا لكم، وشكرًا لمشرفي الدراسات الاجتماعية بشمال الباطنة، فأنتم وهج من الوطنية السامية، وأنتم روح العطاء لهذا الوطن، وأنتم مفخرةً لكل عُماني، بورك الوطن بمواطنين مخلصين أمثالكم.

تعليق عبر الفيس بوك