د. سيف المعمري
ما الذي نبحث عنه في هذه البلد؟ هذا السؤال الذي يطرحه الجميع بشكل أو بآخر في السنوات الأخيرة، بل إنّه سؤال يطرح كل يوم في أماكن ومواقف مختلفة، حيث لا يوجد برنامج إذاعي أو تلفزيوني إلا ويطرحه بشكل أسبوعي أحيانا يومي. والإجابة التي لا يختلف عليها اثنان أننا نريد "حلولا"، فالكل متفق على أنّه لا تنشأ المشكلات إلا وتنشأ معها الحلول، بل إنّ المشكلة الواحدة يظهر لها أكثر من حل، وبالتالي فإنّ مهمة المؤسسات والأفراد هي إيجاد حلول وليست صناعة مشكلات.. ولكن ماذا لو حدث أننا نصنع مشكلات بدلاً من أن نصع حلولاً.. وإننا نضاعف من عدد هذه المشكلات في الوقت الذي نكون فيه عاجزين عن وضع حلول لها في الوقت المناسب؟
إنّ ما يدور من نقاشات اليوم في مختلف المنتديات والوسائط الاجتماعيّة يربط حل مشكلات البلد برجل واحد فقط هو "الوزير"، ويعتقدون أنّ كل وزير بيده عصا موسى، متى ما ألقاها سوف تلتهم كل ما تصنعه البيروقراطيّة في مؤسسته، أو أنّها ستلتهم كل العقبات التي تصنعها القوى المقاومة للتغيير، وبالتالي فالكل يترقب منه أن يقوم بإلقاء تلك العصا،. ولكن نسوا شيئًا مهمًا جدًا في توقعهم هذا هو أن يزودوا الوزير بالعصا التي يستطيع أن يستخدمها في القضاء على كل هذه الإشكاليّات، وهي إرادتهم ورغبتهم. قد يقول قائل إنّ المشكلة قبل ذلك هي في إقناع هذا الوزير أو تلك الوزيرة أن تكون له عصا ويستخدمها. في الوقت المناسب. وبشكل جريء من أجل الوطن. وبالتالي ما الحل إذا لم يرغب هذا الذي نعول عليه أن يمسك بالعصا ويلوح بها لأولئك الذين يشككون في دافعيته، وفي قدرته على حل المشكلات التي تتراكم في مؤسسته، مما يجعل مهمته هي أن يضاعف من حجم هرم الإشكاليات بدلاً من أن يضاعف من هرم الحلول، التي يعتقد كثير من الناس أنّها هنا وهناك تحتاج إلى من يلتقطها ويبدأ في تنفيذها.
لا شك أننا لا نستطيع أن نحل مشكلات دون أن نرفع إشارة للجميع أنّ توقعاتنا عالية جدا، ولابد أن يمضي الجميع وفق هذه التوقعات، من الطالب الصغير في المدرسة إلى الوزير الذي يجلس على قمة المؤسسة، لا يمكن أن تكون حلولا بدون توقعات عالية، لقد استغرب طلبتي الأسبوع الماضي عندما كنت أحكي لهم حكاية عن أفضل طريقة استخدمتها للتعبير عن عدم الرضا مع زملائهم من طلبة الماجستير حيث كنت أعلمهم في أحد المقررات كيفية كتابة خطط رسائلهم للماجستير، وكنت أمضي معهم خطوة خطوة مع وضع أمثلة في كيفية تنفيذها، ولكن لم تنجح هذه الطريقة في أن تجعلهم ينجزون ما هو مطلوب منهم بالدقة التي أرغب فيها، ووجدت نفسي أبحث عن حل لذلك حيث كان لدي اثنا عشر طالبا وطالبة، لابد أن يقدموا بعد انتهاء فصل مكون من 15 أسبوعاً خطة متقنة لرسالة الماجستير، وبعد تجريب العديد من الحلول الفاشلة من التشجيع، والنصح، وتقديم المزيد من الأمثلة، كان آخر الحلول الذي غيّر كل شيء، حيث دخلت عليهم في أحد الأسابيع ووضعت "السلة" فوق الطاولة، ووضعت فيها كل ما كتبوا، وكانت أقرأ الذهول والدهشة في وجوههم، وساد الصمت لدقائق في الغرفة، وقلت لهم ستظل هذه السلة على هذه الطاولة الأسبوع القادم، وسوف أرمي فيها كل ما لا يرقى للتوقعات التي وضعت لكم، فالخيار لكم والكرة في ملعبكم، والحل الآن تعرفونه، فتغيّر كل شيء بدءًا من الأسبوع التالي وأنجزوا رسائل علمية جعلتني أفخر بهم، مما أشعرني بشيء مهم جدا، وهو أنّ هناك حلولا ربما لا نفكر فيها أو نخاف من آثارها، لكنّها هي التي تحل لنا العديد من الإشكاليات التي نجرب معها حلولا كثيرة لسنوات طويلة.
وبالتالي فإنّ الحل هو أن نضع السلة فوق الطاولة وليس تحتها في كثير من مواقع اتخاذ القرار، لكي نعبر فيها عن رغبتنا في تطبيق الحلول، لابد أن يضعها الوزير الذي تأتيه كثير من المقترحات كحلول لكنها دون التوقعات التي يمكن أن تحل الإشكاليّات، فعليه أن يكون جريئًا في رميها في السلة، ولابد أن يضعها الأستاذ في الجامعات والكليات الذي تصله كثير من البحوث والدراسات التي لا تقدم حلولا لكثير من المشكلات، فبقدر ما يرمي منها في السلة بقدر ما يحفز طلبته على بذل أقصى جهدهم من أجل تقديم أعمال علمية عالية في مستواها، ولابد أن تضع المدارس السلة فوق الطاولات، ترمي فيها كل الأنشطة التي يقوم بها الطلبة دون المستوى، لابد أن تضعها البلد لكثير من الاستراتيجيات والخطط التي لا تضيف شيئا للبلد، وليس فيها شيئًا مميزًا، إنّ السلة لابد أن تكون على الطاولة لكي نرمي فيها قرارات كثير من الخبراء سواء كانوا عمانيين أو وافدين الذين لا يصلون لمستوى توقعاتنا لتقديم حلول لمشكلاتنا التنموية، إنّ الحل الذي نبحث عنه لابد أن يكون إبداعياً، فيها قدرة كبيرة على فتح مسارات للتنمية التي لا يمكن أن نظل نتعامل معها بمستوى متدن من التوقعات، فنحن أمة لم تنجز تاريخها إلا بمستوى عال من التوقعات، فالفلج الذي يتعجب الجميع من نظامه، أنجزته التوقعات العالية، وكان حلاً مبدعا لمشكلة كبيرة ألا وهي نقل المياه من أماكن بعيدة، أو من أمكان منخفضة إلى أماكن مرتفعة، بدلا من التفكير في الحل العكسي وهو الانتقال إلى أماكن المياه.
ووضع السلة على الطاولة، هو في حد ذاته تلويح بعصا "موسى" لأي وزير أو مدير عام، أو مستشار أو خبير، أو مخطط أو أستاذ بأن هذه البلد لا تعترف إلا بالفكر المبتكر، بالحل المبدع الذي يثير إعجاب العالم، بالخطة التي تحدث نقلة نوعية، بالأداء العالي جدا، بالتنفيذ التدقيق، وما يخرج عن هذه الدائرة فمصيره أن يرمى في السلة، حتى لا يقبل ويعمل به ويخلق إشكاليات بدلا من أن يوجد حلول.
إذا لم نبدأ في اللحظة الراهنة في تطبيق قانون السلة على الطاولة، ونظهر جرأة جميعاً في تطبيقه، فإننا سنظل نبحث عن حلول غير مرضية ولا تحل لنا إشكاليات، وسنظل نبعث برسالة للجميع في هذا البلد، من الأطفال حتى المسؤولين الكبار بأنّ مستوى توقعاتنا متواضع جدًا، وأنّ الحلول التي يقدمها البعض لنا، لا تلائمنا وتستحق أن ترمى في السلة، ولكن احترامنا لمقدميها يمنعنا من وضعها في المكان المناسب، لكن أين احترامنا لحق وطننا، هل نجامل على حساب مستقبلنا؟ هذا السؤال الذي لا بد أن نجيب عنه جميعا:" لن نجامل على حساب عمان".
saifn@squ.edu.om