مدرين المكتومية
نعيش اليوم مرحلة جديدة من الانفجار المعرفي مع ثورة الإنترنت والموبايل، فالجميع أصبح يتابع الكثير من الأحداث التي تحدث بيننا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع الإعلام التقليدي كمصدر وحيد للأخبار أو التحليلات، الجيل الجديد وحتى القديم أصبح الآن أعلاميًا بامتياز؛ يتابع، يراقب، ينظر، يكتب، ويطرح أفكاره ورؤيته بلا حدود.
أصبح العالم متجاذبا أكثر، والعلاقات اكثر ارتباطًا، أصبح لكل فرد وجهة نظره الخاصة التي يقدمها للآخر بل ويريد فرضها أحيانا، أصبح الكل يتحدث بمعتقداته ورؤيته، والإيجابي أنّ الكل أصبح يقرأ ويهتم، ويعبر عن ذاته، ويتداخل فيما بينه، أصبح عالمًا للمرأة فيه كلمة وللرجل رأي، والجميع متساوون في حقوق الطرح، فقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرًا في تعزيز القراءة في الآونه الأخيرة الأمر الذي كان غائبا في فترة من الفترات، الآن بات الأمر مختلفًا، بحيث أصبح الجميع إعلاميًا يحمل بداخله صفات الصحفي والكاتب والناقد والمتحدث، وهو أمر جميل جدًا ورائع أن يكون هناك تأثير فعلي على المجتمع. أنعكس هذا الانفجار المعرفي على كبار السن الذين اعتادوا على البقاء أمام المذياع لسماع الأخبر، بل أصبحوا يتابعون كل شيء عن قرب أصبحوا يعلمون بما يدور حولهم، ويتأثرون بكل ما يحدث في العالم من أحداث وقضايا، ويناقشون ويعبرون عن مشاعرهم تجاه أية قضية في المجتمعات.
الأمر الآخر أنّ أهتمام شرائح المجتمع باقتناء الهواتف النقالة الذكية ذات البرامج المتنوعة لضمان فكرة التواصل والقرب أكثر من المجتمع أصبح هاجسا لدى الجميع، هذه الوسائل خلقت عالما مختلفا وقرّبت البعيد بحيث صار الجميع يتحدثون ويتحدون ويختلفون حول موضوع واحد وقضية واحدة من مختلف المحافظات والولايات والأقطار والعالم، ورغم ما يعطيه هذا الواقع من حيوية وتفاعل إلا أنه للأسف يفتقر كثيرا للتدقيق أو الضبط، وأحيانًا ما يكون مصدرًا لنشر أخبار تكدر الأفكار وتصيب الناس بكثير من التوتر خاصة وأنّها تكون أخبارا "محبوكة" الصنعة وغالبا ما يستغرق الأمر عدة أيام قبل أن يتبيّن زيف هذه الأخبار المصنوعة.
الرقابة والتقييد على الإعلام بأي من الوسائل ليس فقط غير مرغوب فيه بل إنّه من الصعوبة بمكان أن يحدث خاصة على إعلام التواصل الاجتماعي، لذلك فإنّ الضمير الفردي والجمعي هنا يكون له الصوت الأعلى والأكثر حسما، خاصة فيما يخص مصلحة الوطن والعمانيين. فنحن نعيش في دولة مترامية الأطراف، وما قد يصل إلى الجنوب لا يصل للشمال، وقد ما تراه العين قد تسمعه الأذن، ولكن الحقيقة تحتاج دائمًا إلى حقائق وأدلة وبراهين، فما يتم تداوله ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، لا ننكر أنّ الظواهر مثل هذه الظاهرة لها مكانتها بين المجتمع وتفشيها يعني وجود مجتمع قادر على الحوار والحراك وتقديم الحلول والبحث والتقصي، وقادر على استيعاب كل ما يدور من حوله، ولكن وفق إطار معين لا يمكن تجاوزه حتى لا تكون النتيجة سلبية وغير متوقعة، بل علينا أن نشترك جميعًا فيما بيننا لأنّ نبث هذه الروح الإعلامية في نفوسنا ولكن شريطة ألا نكون سببا من أسباب رواج الشائعات التي لا تؤدي بنا إلا لنهاية مغلقة.
Madreen@alroya.info