الأزمة السورية وأسئلة السنة الخامسة من عمرها

صالح البلوشي

وأخيرًا؛ يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى قناعة كبيرة؛ أنّه لا يمكن إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة العسكرية، لما سيشكل ذلك من خطر على المنطقة برمتها؛ لأنّ البديل في حال سقوط النظام وحدوث فراغ في السلطة؛ سوف يكون على الأرجح الجماعات السلفيّة المتطرّفة. هذه القناعة جاءت في حديث لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة أجرتها معه قناة سي بي إس الأمريكية مؤخرًا، وقال فيه إنّ الولايات المتحدة ستضطر إلى التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا. وقال أيضا إنّ واشنطن تدرس فرص الضغط على الأسد لحمله على قبول إجراء المباحثات.

هذا التصريح الأمريكي، الذي سبقته تصريحات أخرى للمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، واعتبر فيها أنّ بشار الأسد جزء من الحل في سوريا، لم تأتِ من فراغ، وإنّما جاءت لأسباب مختلفة منها: عجز جماعات "المعارضة السوريّة" بأنواعها المختلفة من متطرفة ومعتدلة من إسقاط النظام السوري خلال السنوات الأربع الماضية من عمر الأزمة السورية، رغم الدعم الدولي والإقليمي لها، خاصة بعد أن بات الصراع يقتصر على وجود لاعبين رئيسيين هناك وهما: الحكومة السورية والجماعات المسلحة المتحالفة معها من جهة، والجماعات الدينية المتطرفة كداعش والنصرة من جهة أخرى. وسقوط الرهان الأمريكي والإقليمي على "الجماعات المعتدلة"، التي بات وجودها يقتصر على الفنادق الفخمة في تركيا وأوروبا والقنوات الفضائية فقط، بينما لا وجود لها على الأرض. فما يسمى بالائتلاف السوري المعارض - الذي شهد انشقاقات كبيرة في الفترة الماضية- قد أصبح تحت هيمنة "الإخوان المسلمين" بشكل واضح، وبات يفتقد إلى أي تأثير سياسي سواء داخل سوريا أو خارجها، وخروج "الجيش السوري الحر" الذي ُطرِح في السنوات الماضية كبديل "علماني معتدل" للنظام السوري الحالي من دائرة الصراع المسلح، حيث لم يستطع الصمود طويلا أمام الجماعات السلفية المتطرفة، ولم يبق له أثر حقيقي على الأرض.

ومن الأسباب التي أرى أنّها دفعت الإدارة الأمريكية إلى الوصول إلى نتيجة حتمية التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، ما شهدته السنتين الأخيرتين من الأزمة السورية من تعاظم قوة الجماعات السلفية المتطرفة التي استغلت الظروف الدولية وتداعيات ما يسمى بـ "الربيع العربي"، وحالة الفوضى التي سادت الدول التي ابتليت بهذا الخريف الدموي، من أجل إيجاد موطئ قدم لها فيها، بمساعدة بعض أجهزة الاستخبارات الإقليميّة والدوليّة، التي كانت تعتقد أنّها تستطيع توظيف هذه التنظيمات المتطرّفة بما تحمله من فكر تكفيري/ طائفي متطرف، من أجل مصالحها الخاصة. وقد نجحت فعلا بدرجة كبيرة في ذلك، ولكن المارد الذي تعملق أكثر من اللازم، خرج عن السيطرة، وبات يهدد الجميع الآن بدون استثناء.

بالإضافة إلى الأسباب المذكورة فإنّ التصريحات الأمريكية الأخيرة تبدو وكأنّها تتجه إلى الاعتراف بالأمر الواقع، خاصة بعد تقدم الجيش السوري في عدة جبهات في قتاله ضد المسلحين. حيث إنّها أكًدَتْ مجددا أنّ السياسات الأمريكية لا تُبنى وفق رغبة بعض الدول العربية التي كانت تدفع الأمور باتجاه الخيار العسكري الدولي لإسقاط الرئيس السوري، بعد فشل الجماعات المسلحة السورية في ذلك، وإنّما على مصالحها الاستراتيجيّة، خاصة بعد الأنباء التي تحدثت عن وجود تقدم في المفاوضات النووية مع إيران. ولكن مع ذلك؛ هل تستطيع الولايات المتحدة حل الأزمة السورية بالتفاوض المباشر مع النظام؟ وهل تقبل أحزاب "المعارضة السورية" وخاصة المسلحة منها المشاركة في هذه المفاوضات، بعد أربع سنوات من القتال، ومقتل أكثر من ربع مليون سوري، وتشريد ملايين، وتدمير البنية التحتية لهذا البلد؟ وعلى فرض أنّها قبلت ذلك فكيف تتعامل مع المنظمات المتطرّفة التي تسيطر الآن على مساحات شاسعة من الأراضي السورية؟ أسئلة تطرح نفسها وربما لا تجد لها جوابًا ونحن ندخل السنة الخامسة من الأزمة السورية.

تعليق عبر الفيس بوك