"العنوسة".. وصمة تحاصر الفتيات بعد الثلاثين وتئد أحلام عش الزوجية

الرؤية - مدرين المكتومية

تبلغ "ريم . خ" من العمر 46 عاماً، وعلى الرغم مما حققته من نجاحات على المستوى الدراسي والمهني إلا أنها تفتقد الشعور بالسعادة والطمأنينة في ظل شعورها بعيون المجتمع تحاصرها أينما حلت بسبب تأخرها في الزواج حتى الآن، على الرغم من أنّ ملامحها تجعل من يراها يظن أنها لم تتجاوز الثامنة والعشرين.

تعمل ريم طبيبة أسنان في أحد المستشفيات بالسلطنة، بعد أن قضت معظم عمرها في الدراسة والتنقل بين المؤسسات التعليمية والطبية الدولية للحصول على أفضل الشهادات والدورات التدريبية في مجال طب الأسنان. وعن حبها لهذا المجال إلى حد أنه سرق عمرها تقريبًا، تقول ريم: بدأ الأمر منذ كنت طفلة، حيث كانت والدتي لا تمل من أن تكرر على مسامعي أنها تريدني أن أصبح طبيبة الأسرة، وأنها ستفخر بي حينها، ومع الوقت، كبرت وكبر الحلم معي فحرصت على أن أدرس وأجتهد لتحقيق تلك الأمنية التي تعيش مع أمي كحقيقة لا مفر منها، على الرغم من عدم رغبتي في أن أكون طبيبة حيث إنني لا أحب المستشفى والعمل بين المرضى، وإنما كنت أتمنى أن أكون معلمة بين طالبات المدارس، لكن الأقدار شاءت أن أرى الحياة بعيون أمي فدرست واجتهدت حتى تخرجت في المدرسة بمعدل كبير لم تتوقعه العائلة، وجاءت لحظة الاختيار الصعبة بين أن أبقى في السلطنة بين أفراد أسرتي أو أن أسافر لأكمل تعليمي في ظروف أفضل نزولاً على رغبة عائلتي.

وعن تجربتها في الغربة، تقول ريم: كان الشعور بالغ الصعوبة في البداية، وكنت أشعر على الدوام بالوحدة والتوتر لأنني قررت أن أسعد الجميع ولو على حساب خياراتي، وعانيت في البداية من اشتياق للعائلة والوطن، حتى إنني كنت أهاتف أسرتي في اليوم نحو ثلاث مرات، وأبكي وحدي في الليل، رغم أنني كنت أسكن مع أسرة من والدين شابين طيبين وبنت تكبرني بثلاث سنوات، وكانوا يعاملونني وكأنني واحدة من أفراد الأسرة، حتى بدأت أعتاد على الوضع وأتأقلم بعد التعرف على طالبات عمانيات ألتقي بهن في الإجازة، وأصبحت أشعر بالانتماء للوطن أكثر من السابق، وعوضت ذلك بالاجتهاد في الدراسة لتحقيق الهدف من غربتي حتى حصلت على شهادة البكالوريوس بعد خمس سنوات، درست خلالها الطب العام، وعدت إلى عائلتي، لكن حلم والدتي كان الاستمرار حتى الحصول على شهادات في التخصص.

وأثناء تدرب ريم في عدد من مستشفيات السلطنة في مجال الطب العام، تقدم لخطبتها 3 أشخاص رفضتهم الأسرة بدون مقدمات متجاهلة رغبة ريم في تكوين أسرة، حيث كانت تلك الرغبة لديها أكبر من الرغبة في التخصص في الطب، ومع إصرار الأسرة عادت ريم إلى الغربة لثلاث سنوات إضافية وتخصصت في طب الأسنان. وتضيف ريم: مضت السنوات والأسرة لا تبالي إلا بأن تكون فخورة بتميزي واجتهادي ومكانتي، وعند عودتي تقدم لخطبتي أكثر من شاب مقتدر، لكن أسرتي عاودت الرفض هذه المرة بحجة أنني إحدى الدعائم الأساسية في توفير مستلزمات المنزل، فضلا عن أنني تقدمت لطلب قرض بنحو 80 ألف ريال عماني لشراء منزل يليق بأسرتي بحسب وجهة نظرهم، ومع الوقت تجاوز عمري الثلاثين وأسرتي ترفض أن أرتبط بأيّ شخص قد يعيق مهمة سداد متطلباتهم المنزلية، وغيرها من الاعتمادات في سداد أقساط السيارات الفارهة التي يقودها إخوتي.

وتضيف ريم: كثيرًا ما أبكي وحدي ليلا، حين أفكر في قيمة نجاحي مهنيًا في عيون المجتمع، مقارنة بسني وتأخر زواجي، وهو ما قد يفسره البعض ظلماً بأنني ربما ارتكبت خطيئة ما تسببت في تأخر زواجي، أو أن أخلاقي وقناعاتي تأثرت بالسنوات التي قضيتها في بلاد الغربة، على الرغم من تديني والتزامي. صحيح إنني أعيش بين أسرتي، لكن فكرة أنني اقترب من الخمسين دون أن أكون في عصمة رجل مسؤول عني تؤرقني، بينما أرى أطفال إخوتي من حولي لأتحسر على حالي وما ظننته إنجازًا يستحق التضحية بتكوين الأسرة.

ولشعورها بالشفقة تجاه أيّ فتاة تكاد تكرر نفس مأساتها، تقول ريم إنّها تنصح أيّ فتاة مشغولة بالدراسة والتخصص بدرجة أكثر من اللازم بألا تنسى حقها في الحياة والحب والزواج وإنجاب الأطفال: كوني كما أنت، لا كما يريد الآخرون، حددي خياراتك وجاهدي من أجلها، حتى لا تتحول بعض الخيارات الصغيرة إلى كابوس مع مرور الوقت، ولا أقسى من نظرة المجتمع لفتاة بلغت من العمر 30 سنة دون زواج، ولا أصعب من سماع كلمة "عانس" تحاصرك في كل موقف.

تعليق عبر الفيس بوك