تأملات قرانية 6

هلال الوردي

نواصل حديثنا عن معنى الحمد لله رب العالمين، ونحمد الله سبحانه وتعالى على جميع النعم بصنوفها فالحمد يستغرق كل شيء أمّا الشكر فهو أخص. قال العلماء الحمد هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري ومعنى الجميل الاختياري هو الذي يحصل بالقصد والإرادة فالكرم والشجاعة وحسن الخلق تحصل بفعل أسبابها والحرصعليها، أما الجميل غير الاختياري فكحسن الصورة وجمال الوجه وطول القامة، فالثناءهنا يسمى مدحا لا حمدًا.وهذا فيالمخلوق.
أمّا الخالق عزّ وجل فيحمد على إنعامهوإفضاله وخلقه ورزقه ونحو ذلك. ويمدح لجماله وجلاله وعظيم صفاتهفأفعاله كلها جميلة وذاته جميلة لا على معنى الحس بل الجمال المعنوي، ولأنّ خلقه جميل وشرعه جميل ولطفه جميل وتقديره جميل.

الحمد لله اللام هنا للملكية والاختصاص أي أنّ الحمد يملكه الله تعالى وحده فقط لا يملك الحمد غيره أي يختص به المولى سبحانه وتعالى أمّا استعمالها فالناس تقول إن حمدناك تجوزًا فقط وإلا فلا يحمد إلا الله تعالى، فلا يحمد على نعم سواه ولا يحمد على فضل سواه ولا يحمد على خلق سواه سبحانه وتعالى.

ربّ العالمين أي هذا العالم والعالمين العلامة على وجود الله سبحانه وتعالى الحمدلله رب العالمين أي أنّ هذا العالم كلّه مربوب لله سبحانه وتعالى فالله تعالى هو الربّ لكل شيء والرب في لغة أي السيد فمثلا ربّ الأسرة مثلا ربّ البيت ورب العمل سيده، فاذا غاب ربّ الأسرة ضاعت الأسرة، وإذا غاب ربّ البيت ضاع البيت وإذا غاب ربّ العمل ضاع العمل، وإذا الله تعالى أخذته سنة أو نوم ضاع هذا الكون فالله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم لأنّه هو المالك المدبر للكون لذلك الله سبحانه وتعالى ربّ العالمين والعالم مربوب له وحده هو مالكه ومدبر أموره وراعي مصالحه ولا يغفل عنه لحظة ولا يتحرك متحرّك ولا يسكن ساكن إلا تحت قهره وفي علمه وقبضته وهيمنته, وعندما يقرأ الإنسان في الحقيقة هذه الآية الحمدلله ربّ العالمين الأصل إنها تؤدي به إلى أنه يضطرب من الوجل والخوف من الله تعالى لهذه الربوبية والقهر والهيمنة، لكن عندما يقرأ الرحمن الرحيم يسكن هذا الاضطراب لأنّ هذه الربوبية إنما هي ربوبية رحمة، هذه ربوبية ليست ربوبية قهر وبطش مع أن الله سبحانه وتعالى هو القاهر فوق عبادة لكنّ الله سبحانه وتعالى ربوبيته ربوبية رحمة فلذلك سبقت رحمته غضبه فلذلك عندما يطلب الإنسان هذه الرحمة يجدها.

(الرحمن الرحيم) تكررت هاتان الصفتان لله تعالى, وقال أهل العلم إنّ التكرار لأنّ في الآية الأولى ذكر المنعِم، وأمّا في الآية الثاية فقد ذكر المنعِم والمنعَم عليه، وقال بعضهم ليؤكد صفة الرحمة, مالك يوم الدين أي مالك يوم القيامة، الدين هو يوم الدينونة ويوم الآخرة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب والصاخة والطامة والزلزلة كل هذه الأسماء لذلك اليوم. الله تعالى مالك ليوم الدين لماذا لم يقل تعالى إنّه مالك يوم الدنيا والدين يعني سبحانه وتعالى ألا يملك الدنيا؟ بلا شك هو مالك الدنيا لكن لم يذكرها لأنّ الدنيا ظاهر له أي أنّه سبحانه وتعالى قاهر هذه الدنيا وقد خلقها بهذا الإعجاز العظيم وبهذا النظام البديع وبهذا الخلق المحكم الذي لا يضطرب.. إذاً كل شيء في الدنيا يدل على الله سبحانه وتعالى خالقه ومدبره.. مدبر الأمر من السماء إلى الأرض فلم يذكر الله تعالى الدنيا لأنّ الدنيا معروف ملكيتها له سبحانه من الشواهد، وإنما الإنكار للآخرة لأنّها غيب.

 

تعليق عبر الفيس بوك