أوباما يضع فنزويلا على قائمة الانتقام الأمريكي

عبيدلي العبيدلي

على نحو مواز لما تقوم به واشنطن في المنطقة من مخالفات سياسية وعسكرية صريحة تمس سيادة الدول العربية، وتنتهك أبسط الأعراف الدبلوماسية المتفق عليها دوليًا، أصدر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يوم الإثنين الموافق 9 مارس 2015 أمرًا تنفيذيًا "يعلن فيه أن فنزويلا تمثل تهديدًا للأمن القومي، ويشمل فرض عقوبات على سبعة أفراد، بينهم مدير الشرطة الوطنية والمدير العام لأجهزة الاستخبارات، وعبّر عن القلق بشأن تعامل حكومة فنزويلا مع المعارضين السياسيين".

وفي السياق ذاته أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست في بيان أن "المسؤولون الفنزويليون سابقا وحاليا، الذين ينتهكون حقوق الإنسان للمواطنين الفنزويليين، ويشتركون في أعمال فساد عام، لن يكونوا محل ترحيب هنا، ونحن نمتلك الآن الأدوات لتجميد أرصدتهم، ومنع استخدامهم للأنظمة المالية الأمريكية، مضيفاً نشعر بقلق عميق من جهود الحكومة الفنزويلية لتصعيد الترهيب لمعارضيها السياسيين. لا يمكن حل المشكلات في فنزويلا من خلال تجريم المعارضة".

وحرص أوباما على أن ينوه إلى احتمال الاستعانة بهراوة الحصار الاقتصادي فدعا وزير الخزانة الأمريكي جاك لو، كي يهدد الفنزوليين قائلاً "نحن عازمون على الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز المبادئ الديمقراطية في فنزويلا عبر استخدام عقوبات مالية".

يمكننا أن نقرأ هذا القرار "الأوبامي" على أنّه ردة فعل تلقائية سريعة على ما قام به قبل أيام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عندما أقدم على "اعتقال عدد من الأمريكيين للتورط في مؤامرة، وللاشتباه في قيامهم بالتجسس، مضيفاً لقد قررنا طرد العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين ومنعهم من دخول فنزويلا مجددًا، وقررنا أيضًا فرض تأشيرات على كل أمريكي يود زيارة بلدنا وسيدفع نفس القيمة التي يدفعها أي فنزويلي للحصول على تأشيرة الولايات المتحدة، ستكون المعاملة بالمثل، كما دعا إلى تخفيض عدد الموظفين في السفارة الأمريكية من 100 موظف إلى 17 موظفًا فقط، ليماثل عدد العاملين في السفارة الفنزويلية في واشنطن". ولم تستطع واشنطن أن تدحض اتهامات كاركاس، فوجدناها تكتفي برد باهت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جينفر بساكي، تنعت فيه تلك الاتهامات بأنها "سخيفة، مضيفة أنّ السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة منذ وقت طويل هي عدم دعم الانتقال السياسي للسلطة بطريقة غير دستورية، الانتقال السياسي يجب أن يكون ديمقراطيا ودستوريا وسلميا وشرعيا"، لكن واقع الخلافات الفنزويلية - الأمريكية أعمق من ذلك بكثير، ويغرس نفسه عميقاً في تاريخ الروابط التي حكمت البلدين لسنوات مضت، كان لها دورها في تأزيم العلاقات بين حكومتي البلدين، بسبب رفض كاركاس الخضوع للأطماع الأمريكية في أمريكا الجنوبية، وكان من نتيجتها حث الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز المعروف بعدائه لواشنطن، دول سوق أمريكا الجنوبية إلى الإسراع في خطواتها "لتوطيد هياكل التعاون والاندماج الإقليمي". كما أنّ البلدين لم يتبادلا السفراء منذ يوليو 2010.

لكن رحيل شافيز، لم يضع حدًا لهذه العلاقة المتأزمة، فبعد فوز مادورو في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سارعت واشنطن إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات ودعت على لسان وزير خارجيتها جون كيري إلى ""ضرورة إعادة الفرز". فما كان من مادورو إلا أن طالب كيري بتحويل انتباهه بعيدًا عن فنزويلا، مضيفًا "أخرج من هنا، كفى تدخلا ".

من السذاجة بمكان فهم مثل هذا التصعيد بين العاصمتين على أنّه مجرد "مماحكات" تقترب من "المهاترات" السياسية التي تحتاج لها كل منهما بين الحين والآخر للشحن الداخلي، إذ إنّ هناك نقطة تضفي أهمية خاصة على هذا التصعيد "شبه المفاجئ"، نكتشفها فيما جاء على لسان وزير المالية الفنزويلي رودولفو ماركو في مقابلة له قبل أيام أعلن فيها "إن فنزويلا ستُعلن تغييرا في السياسة المتعلقة بالبنزين قريبًا مشيرًا إلى أنّ فنزويلا العضو في أوبك تمضي قدمًا في زيادة طال انتظارها في أرخص سعر وقود في العالم". وبادر مادورو، حينها إلى التلميح بإمكانية "زيادة في سعر الوقود كوسيلة لتحسين الأوضاع المالية للدولة وسط تراجع في أسعار النفط الخام"، مؤكدًا في مقابلة مع شبكة تيليسور المحلية التلفزيونية "قريبًا ستكون هناك إعلانات مهمة بشأن قضية البنزين. لا يمكن أن يكون ثمن قطعة حلوى أكثر من لتر البنزين".

إذًا رائحة النفط تنبعث من صفحة ملف الأزمة في العلاقات بين البلدين، ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن أن تفرض قيمة متدنية على أسعار برميل النفط في الأسواق المحلية، تلمح كاراكاس إلى احتمال إقدامها على إضافة طفيفة على سعر النفط الحالي. هذه ليست سوى القطعة الصغيرة من جبل الجليد الطافي فوق بحر أزمات العلاقات المتوترة تاريخيًا بين البلدين، ومن أسبابها الخلاف حول سياسة فنزويلا النفطية كدولة مصدرة لا تتوافق مع تلك التي تسير عليها الولايات المتحدة كدولة مستوردة.

وبالتالي، فربما ما تبودل من اتهامات بين البلدين خلال الأسبوع المنصرم، هو مستصغر الشرر الذي ينذر بانفجار على نطاق أوسع يشمل إجراءات استثنائية ليست بعيدة عنها تدخلات أمريكية مباشرة في الشؤون الفنزولية.

يحضرنا هنا، وفي خضم تناول مستقبل العلاقات الأمريكية - الفنزولية، ما ورد في خطاب المؤرخ الألماني ميخائيل بيسيك المفتوح للرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو الذي "حذره فيها من التعويل على قصة حب طويلة مع الولايات المتحدة، منوهاً، الآن، حينما بتم على وشك أن تصبحوا حليفا مقربا من الولايات المتحدة، يتعين عليكم أن تحذروا من أن ذلك لن يعني على الأغلب بدء قصة حب طويلة الأمد، تلد لكم أرصدة مليئة بالدولارات وجيشا مجهزا بأفضل المعدات لقتل الأعداء، وتمنحكم شعورا مريحا بالحماية".

إذا كانت تلك سياسة واشنطن مع الحلفاء، فكيف ستكون تلك السياسة مع من تضعهم في خانة الأصدقاء، وخاصة عندما تكون ساحة الصدام هي النفط الذي يستحيل على واشنطن المساومة على الحصول عليه وفق شروطها، وبما يتفق مع مصالحها قبل مصالح أيّ طرف آخر.

ومن ثمّ فمن غير المستبعد أن تكون فنزويلا دولة أخرى يضيفها أوباما إلى قائمة الدول التي تستحق "الانتقام الأمريكي".

تعليق عبر الفيس بوك