فؤاد أبو حجلة
يقول تقرير قرأته أمس إن تنظيم "داعش" الإرهابي يواجه خطر الانهيار من الداخل نتيجة للانشقاقات والخلافات الداخلية بين المقاتلين الأجانب ورفاقهم المحليين في غرب العراق وشرق سوريا.
يبدو التقرير مفرطا بالتفاؤل في رهانه على الانهيار الداخلي، وتضخيمه للخلافات التي تتجلى في الميدان بين المقاتلين الإرهابيين من أبناء المناطق التي يسيطر عليها التنظيم وأؤلئك القادمين من وراء الحدود لخدمة المشروع الشيطاني في أرض العرب. وما تمّ رصده من هذه الخلافات الصغيرة لا يوحي حتى الآن ببوادر مواجهات داخلية مسلحة بين أجنحة مؤطرة في التنظيم.
كل ما في الأمر أنّ المقاتلين المحليين مستاؤون من المعاملة التفضيلية في الرواتب و"الغنائم" التي يتلقاها زملاؤهم الأجانب، ومن تمركز مجموعات الإرهابيين الأجانب داخل المدن التي نادرًا ما تتعرض للقصف والهجمات الجوية بينما ينتشر الإرهابيون المحليون على الأطراف وفي المناطق الريفية التي يسهل استهدافها نتيجة انكشافها وقدرة الطيران على رصد حركة المجموعات الداعشيّة فيها.
في الوقت نفسه فإنّ الإرهابيين الأجانب الذين التحقوا بتنظيم "داعش" طمعا بالفوز بالمكاسب بدأوا يتململون من سوء الأوضاع في المناطق التي حشروا أنفسهم فيها وصار بعضهم يستسلم للحنين إلى بلاده وغامر عشرات منهم بمحاولة الهرب عبر الحدود السوريّة والعراقية للعودة إلى مواطنهم الأصليّة، لكنّ مغامراتهم كانت تنتهي بالموت حين يتم اكتشافهم وإعدامهم. وقد شدد "داعش" إجراءاته الأمنيّة لإحباط محاولات الهروب من صفوفه، بما في ذلك مراقبة وتفتيش المركبات في الطرق المؤدية إلى المناطق الحدودية.
رغم ذلك، يظل الوضع تحت السيطرة، حتى الآن على الأقل، ويظل التنظيم الإرهابي ممسكًا بزمام الأمور في المناطق التي يسيطر عليها بقوة الرعب. ويظل الحديث عن "خلافات داخلية خطيرة" مجرد أمنيات في الهواء طالما لم تحدث انشقاقات واضحة تعبر عن نفسها ببيانات واضحة.
كما أنّ الحديث عن انهيار داخلي يبدو فاقدًا للمنطق في ظل مواصلة التنظيم الإرهابي القتال في جبهات تزداد ولا تنقص، فالداعشيون يقاتلون الآن ضد الأكراد في شمال العراق، والأكراد في شمال سوريا، والميليشيات الشيعية التي تزحف نحو تكريت في وسط الخريطة العراقية. وهم يواجهون أيضًا غارات التحالف الدولي على مواقعهم، ويخوضون مواجهات مسلحة مع القوى المنافسة لهم في سوريا كجبهة النصرة والجيش الحر وغيرهما من الفصائل الناشطة بالسلاح على الأرض السورية.
وهم أيضا ينتشرون في ليبيا، وهناك تقارير تشير إلى احتمال وجودهم في سيناء، وقد حظيوا مؤخرا بمبايعة جماعة "بوكو حرام" الإرهابية في نيجيريا.
ذلك كله لا يعني بالضرورة استحالة الانهيار الداخلي، بل إنّ احتمالات هذا الانهيار تبدو أكثر حضورا في ظل التقدم المتسارع للتنظيم، لأن التقدم يعني المزيد من المكاسب ويوقظ أطماع الشخصيات النافذة في الأطر القيادية للتنظيم ما يعني تفجير خلاف على الزعامة، وهو خلاف لا يمكن أن يحسم في الحالة الداعشية إلا بالدم والاغتيالات.
آنئذ يمكن القول إن التنظيم الارهابي يأكل أبناءه ويأكل نفسه من الداخل.. وينهار.
أمّا الرهان على الانهيار نتيجة خروج بضع عشرات من الارهابيين الأجانب من صفوف التنظيم فإنه يبقى في إطار الأمنيات المشروعة ولا يتجاوز حدود التمني، لأن من أتاح وصول هؤلاء الإرهابيين إلى العراق وسوريا سيمكن غيرهم من الوصول، ومن دفع بهؤلاء للقتال في أرض لا تخصهم سيدفع غيرهم ويمول نشاطهم ويمدهم بالسلاح.
حتى الآن لا نعرف من قيادة "داعش" غير اسم "أمير الدولة" أبو بكر البغدادي، ولا نظن الأجهزة الاستخبارية للدول التي تقود التحالف عاجزة عن رصد البغدادي وأسره أو قتله، لكن القرار الأمريكي لا يسير في هذا الاتجاه، بل يسعى إلى إطالة أمد المواجهة وتعميم الخراب في أرض العرب.
يحلم ملايين العرب بالخلاص من "داعش" لكن هذا الخلاص لا يتحقق فقط بالأمنيات.