أسبوعان في مسقط

فؤاد أبو حجلة

قضيت النصف الثاني من فبراير الماضي في مسقط بدعوة كريمة من صحيفة "الرؤية"، وقد كانت زيارتي الأولى إلى سلطنة عمان فرصة ثمينة للتعرف على هذه البلاد العريقة وعلى أهلها الطيبين الذين يستقبلون ضيوفهم بحفاوة تلقائية ويحيطونهم بمشاعر صادقة لا مجاملة ولا تمثيل فيها.

وصلت المدينة فجرا، وفي الطريق من المطار إلى الفندق كان النهار يبتسم في مسقط، وكان أول الضوء يشيع الدفء في العاصمة الهادئة التي تفرد بيوتها البيضاء على شريط بري يحضنه الجبل ويغسله البحر. وفي الأيام اللاحقة عرفت أنّ الدفء صفة للمكان وللإنسان في هذه البلاد وأنّ الهدوء طبع عماني مؤسس على الثقة بالحاضر مثلما هو مستمد من أصالة الماضي.

قلت للصديق حاتم الطائي رئيس التحرير الذي استقبلني في المطار "إنّها أنظف مدينة رأيتها في حياتي"، وكنت أعني ذلك، ولم أكن أقصد المجاملة. وقد تأكد انطباعي في تجوالي في الشوارع وفي الأسواق والمقاهي الشاطئية خلال وجودي في مسقط التي ترسخ في الذاكرة كلوحة جميلة على الجدار العربي.

في مقر الصحيفة التقيت زملاء عمانيين وعربًا آخرين أكرموني بحسن الاستقبال وطيب المعاملة، وأحرجني الصديق الشاب أحمد الجهوري بكرمه وبإصراره على تجنيبي وعثاء السفر وحرصه على تعريفي بالمكان وبخصائصه التي قد لا يستطيع الزائر اكتشافها في أسبوعين.

وفي الأمسيات الرائعة التي تعرفت فيها على مثقفين وأدباء رائعين كان الصديق عبد الله خميس الشخصيّة المحوريّة الجاذبة لأصحاب الوعي النوعي وذوي الرؤى والمواقف المنفتحة على العالم والرافضة للانغلاق والنظرة الإقصائيّة. وربما تكون هذه الرؤى والمواقف النخبوية تعبيرًا عن الوعي الجمعي العماني المتحرر من الخوف والريبة والأحقاد.

كانا أسبوعين مكتظين بدهشة اللقاء الأول مع المكان ودفء اللقاءات الأولى مع أصدقاء عرفت بعضهم على الورق من خلال إنتاجهم الأدبي والكتابي وعرفت بعضهم في الحوارات التي غطت مساحات واسعة من الجغرافيا العربية وتناولت راهننا العربي بكل فصوله السياسية.

وقد حرص الصديق حاتم الطائي على تمكيني من الاحتكاك بالنخب الإعلامية والاقتصادية في البلاد، وزرت بمعيته صحيفة "عمان" حيث التقيت الدكتور إبراهيم بن أحمد الكندي الرئيس التنفيذي لمؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان والأستاذ سيف بن سعود المحروقي رئيس تحرير الصحيفة اليومية الأكبر في السلطنة، ولمست في الحديث معهما إصرارًا على المضي في برامج التطوير رغم ما يحيط بالمنطقة كلها من مخاطر وارتباك، ولعلّ ذلك الاصرار ينطلق من طمأنينة وثقة بقدرة السلطنة على البقاء خارج دائرة العبث والفوضى التي تشهدها المنطقة.

كما زرت، بمعيّة رئيس التحرير، الأستاذ عبد القادر عسقلان الاقتصادي البارز، وهو عماني الجنسية والانتماء وفلسطيني الأصل، ويجسد من خلال جهده وإنجازاته نموذج المواطن العربي القادر على اجتراح النجاح في الظروف الصعبة، وقد استمعت إلى وصفه لرحلته الحياتية والمهنية من نابلس إلى الأردن شقيق فلسطين روحًا وتاريخًا إلى عدن في جنوب اليمن الذي كان سعيدًا إلى عمان التي اختارها وأحبها وطنًا واختارته وأحبته مواطنًا. وعلمت من الرجل أنّه يستعد لنشر سيرته في كتاب يصدر من بيروت قريبًا.

وقدمني الصديق حاتم إلى زملاء ومثقفين يكتبون في "الرؤية" وسعدت بلقاء الأستاذ عبيدلي العبيدلي القادم من البحرين لزيارة معرض الكتاب في مسقط، وهو رجل يتمتع بثقافة موسوعيّة يلمحها محادثه بتلقائية طبيعية وبلا استعراض يحترفه أنصاف المثقفين، كما أسعدني اللقاء مع الشاعر سماء عيسى وهو الأب الروحي لجيل من الشعراء العمانيين.

غادرت مسقط على وعد بلقاء قريب، وأعترف بأنني أتوق إلى تجديد اللقاء.. فلربما أستطيع التعبير عن امتناني لكل هؤلاء الأصدقاء ولكل زملائي وزميلاتي في "الرؤية".. شكرًا لهم جميعًا، وشكرًا لعمان.

تعليق عبر الفيس بوك