د. رضية بنت سليمان الحبسية
مع جمال الطبيعة الخلابة التي وهب الله بها محافظة ظفار في الجنوب من سلطنة عُمان، بأجواء تميزها، عن غيرها من المحافظات، وفي أكثر الفصول وطأة على الناس، حرارة أو رطوبة في منطقة الخليج العربي، تبدأ العائلات على اختلاف جنسياتها، بالتخطيط لقضاء عطلتها في محافظة ظفار، باختلاف قدراتها، وتفاوت ظروفها، مرجحينها على غيرها من الوجهات الأوروبية أو الشرق أوسطية؛ لتوفر عوامل ومقومات الجذب السياحي المعتدل، والمتمثلة في أمنها وأمانها، قيمها وثقافتها، وفي عاداتها وتقاليدها. ومن خلال المقالة الحالية، يمكن تسليط الضوء على نقطتين رئيسيتين، هما: الاستثمار في القطاع السياحي، وأخلاقيات السياحة.
النقطة الأولى: الاستثمار في القطاع السياحي، وفي هذه الجزئية نُشير إلى التباين في وجهات النظر، حول نجاح السلطنة من عدمه في استثمار قطاع السياحة في تلك الهبة الربانية، كما نُشير إلى "الترندات التويترية" -كما شاع تسميتها- والتي حققت مستويات عالية من المتابعين، حول دور العمانيين من مشاهير السوشال ميديا- كما يتم تداوله- في الترويج للسياحة الداخلية، بجعل ظفار وجهتهم الصيفية، وما اختلط معها من أساليب الترويج التي قوبلت بالرفض، أو القبول من المغردين ومتابعيهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
ولنا هنا كلمة.. إن الانفتاح غير المحسوب في المجال السياحي، قد يُفضي بالمجتمعات إلى مزالق يصعب احتواءها، ومعايشة واقع يبدد جهودها في طريق التنمية، والاشتغال بقضايا أخلاقية، أو برامج إصلاحية، إنْ لم يكن ذلك التوسع والانفتاح وفق خطوات محسوبة، ووفق رؤى مدروسة، تحفظ للبلاد هويتها، ويتيح لها التقدم بتوازن، في إطار رؤيتها بلا إفراط ولا تفريط.
ولضمان سياحة مستدامة، نؤكد هنا على ضرورة الإلتزام بالإتفاقية الدولية لمنظمة السياحة العالمية التي اعُتمدت في عام 2019، وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ والقيم لآداب وأخلاقيات السياحة، كما تُعد بمثابة إطار عمل يوجه كل من له علاقة بالقطاع السياحي، من صناع قرار، ومستثمرين، بالإضافة إلى السياح أنفسهم، لتحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع.
النقطة الثانية: أخلاقيات السياحة، ونشير هنا إلى أنه لا يمكن نكران بعض الظواهر السلوكية، النابعة من الفهم المغلوط لمصطلح الحرية، لما يُشاهد من تصرفات البعض التي تبعث الاشمئزاز، وقد تسبب الأذى النفسي لمرتادي الأماكن السياحية، بفعل أُناس غاب عنها حس المسؤولية، وانسلخت عنها جلابيب الحياء، باعتباره نوع من الحرية الشخصية، حيث يرتبط فهم البعض لمعنى الحرية، بحريته في اختيار تصرفاته، غير آبهين بآثارها على المجتمع والأجيال اللاحقة. ففي حين يُنظر للسياحة بأنها فكر وثقافة، هناك من يرى أنها فرصة للانفلات الأخلاقي، والإتيان بسلوكيات مشينة، يرفضها المجتمع، ويخشى من انتشارها على الدوام، لتصبح عادة مع الأيام.
وإنه لمن المُسلّم به عدم وجود تعارض بين السياحة والأخلاق، فمن الممكن الترويح عن النفس، والاستمتاع بالمواقع الطبيعية، أو ممارسة الأنشطة الفردية والجماعية، في جو من احترام الذوق العام، والسلوك القويم، وبما يحفظ حق الخصوصية للذات وللآخرين. ونؤكد هنا أيضا، أن الحرية الشخصية تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين، وهي مقيّدة بضوابط ومعايير، كالدين، والأخلاق، والقانون، ولا يجوز اختراقها أو المساس بها، فمتى كانت تلك التصرفات تُلحق الأذى بالناس، يُعد ذلك خرقا لتلك المعايير والضوابط.
ولقد عُرفت الأخلاق منذ الأزل، بملازمتها للحياة الاجتماعية، واعتبر الالتزام بها معيارًا للسلوك الصائب من الخاطئ، وإن لم يكن مكتوبًا. ومع ذلك، لا تخلو كتب التاريخ من قصص اندثار الأمم والحضارات؛ لشيوع الفساد والرذائل بين بني البشر. كما سطّر لنا الفلاسفة عبر العصور ما يفسر أهمية الأخلاق لنمو وازدهار المجتمعات، باعتبارها نظامًا من المبادئ والقيم التي توجه سلوك الأفراد في المجتمع، وتلزمهم بالإمتثال إليها. وقد صدق أحمد شوقي حين قال: "وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ، فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا".
الخاتمة.. في إطار سعي السلطنة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في كافة المجالات بما فيها المجال السياحي، وفي ظل المناشدة المجتمعية بالانفتاح على العالم، والتوسع في المجالات السياحية، كأحد الموارد الاقتصادية، تقع المسؤولية على مؤسسات المجتمع كافة العامة والخاصة، في ترسيخ منظومة قيمية لدى الأبناء، بما يحفظ الحضارة العُمانية، ويصون الموروثات الثقافية، وتعزيز السياسات والممارسات الأخلاقية، المسؤولة عن استدامة السياحة، واتخاذ ما جاء في (وثيقة رؤية عمان 2040، ص 24)، إطارًا للتقدم بثقة في هذا المجال: "إن التوجه نحو المستقبل والتعامل مع مستجداته والحفاظ على السمات الثقافية بتنوعها وتسامحها، يشكل مدخلًا منشودًا لرؤية عُمان 2040، وهو القائم على الانفتاح على العالم بجذور راسخة، وفهم واضح لمكونات الهوية العمانية".