شبابنا واللامبالاة

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية

 

اللامبالاة، مصطلح يشير إلى عدم الاهتمام والتأثر بالأحداث، أو الاكتراث لها. وفي علم النفس، هي حالة نفسيَّة تتَّصف بعدم التأثّر بالمواقف التي تثير الاهتمام، وفقدان الشعور والانفعال بأمرٍ ما وعدم أخذه بعين الاعتبار. ومن هذا المدخل، هناك ثمة تساؤلات يمكن طرحها من خلال هذه المقالة، تتمثل في: متى يصل الفرد إلى حالة اللامبالاة، وما هي الآثار الناجمة عنها، وكيف يمكن تفاديها؟

تتعددّ عوامل وصول الفرد إلى حالة من الشعور بعدم الاهتمام بما يدور حوله، فهناك من الأسباب العضوية، النفسية، أو الاجتماعية. وكون الفرد حتماً ينتمي إلى جماعة ما، فهو مطالب بأن يكون عضوًا فاعلًا، كما يتوسم من مجتمعه، أن يُهيئ له أسباب الرفاهية والحياة الكريمة. ولكن حينما يعزف الفرد عن المشاركة المجتمعية في العمليات الانتخابية لمجلسي الشورى والبلدي على سبيل المثال، فذلك مؤشر على فقدان الثقة في المنظومة بأكملها. فبالنظر إلى ذلك الواقع وما شابهه، فإنَّ ذلك يُعدّ نموذجًا من ردود الفعل تجاه إخفاقات متتالية، في تحقق التوقعات بواقع أرحب ومُستقبل أرغد.

كما تأتي الأحداث والوقائع اليومية بدلائل ومؤشرات غير مُطمئنة، نتيجة اتخاذ إجراءات عملية لا تراعي ظروف الأفراد المالية أو الاجتماعية، أو قرارات يشوبها القلق من فاعليتها في تنفيذ الخطط الإستراتيجية. ناهيك عن غياب تفعيل مبادئ المحاسبية التي تتلاءم وفكر الحوكمة المؤسسية، مما يبث في النفس اليأس والاكتئاب، ووصول المواطن إلى حالة اللامبالاة في واقع ومستقبل الوطن الذي ينتمي إليه.

إضافة إلى ما سبق، فإنّ تطلعات جيل الألفية الثالثة مغايرة للأجيال السابقة؛ بتغيّر سمات الزمان ومتطلباته. فما عاش فيه الجيل الحالي من انفتاح على العالم بدرجة لم تتح لآبائهم وأجدادهم، فإنّ فرص المقارنات واقعة بين عالمهم والعالم الخارجي بدرجة كبيرة. مما يُؤثر على أسلوب تفكيرهم، وشعورهم بالنقص عن أقرانهم في بلدان أخرى كثيرة، وحرمانهم من أقل الخدمات التي يتمتع بها غيرهم في مجتمعاتهم من مباهج الحياة، والترفيه فيها عن الضغوطات اليومية، بل ويمتد قلقهم على مستقبل أبنائهم الذي يرون فيه حقهم بعيش أفضل، وحياة أجمل.

وعليه.. فبدلًا من أن تساهم تلك السواعد الشّابة والمؤهلة في بناء وتنمية مجتمعاتهم، يتصرفون ببرود، وينأون بأنفسهم بعيدًا عما يشاهدون من تخبط كما يدّعون، ليقتصر دورهم على الفرجة فيما ستؤول إليه الحال بعد حين. فضلًا عن سيطرة فكرة الهجرة، متى سنحت لهم الفرصة؛ بحثًا عن عالم يتوافق مع أحلامهم ومُخططاتهم التي تشعرهم بكيانهم، وتمنكهم من التكيّف مع عصرهم، الذي تبدّلت فيه صور الحياة في شتى مجالاتها، وتقنياتها؛ إذ تمثل الهجرة إحدى آثار اللامبالاة، بالهروب عن الواقع الذي يكون مليئاً بالإحباطات، والمثبطات.

ولانتشال الشباب من حالة الاضطراب والقنوط من الواقع الذي يعيشون، لابد من تعزيز عوامل الثقة في أنفسهم ومجتمعهم، وذلك بتقريب المسافات بين المخططين والمنفذين، والمستفيدين، بالإعلان عن نتائج التقدم في تحقيق الأهداف التنموية، وبشفافية تامة. كما يتوجب فتح مساحات الحوار مع الشبيبة وفق برامج مدروسة، على أيدي كفاءات مُختصة؛ للأخذ بأيدي هذه الشريحة المهمة من أفراد المجتمع. بالإضافة إلى إيجاد فرص للعمل على دمجهم بمجتمعهم، ومشاركتهم في معالجة قضاياهم، وقضايا عصرهم، بما يحقق تطلعاتهم، داخل بلادهم بعيدًا عن أية مؤثرات خارجية، أو جماعات متربصة، تسعى لإثارة الفتن بين أبناء المجتمع، وخلخلة الثقة في إمكانات وجهود القائمين على خطط الإصلاح والبناء.

الخلاصة.. صدقًا أنّ الشباب هم الثروة الحقيقة لأي أمة وفي أي عصر، إذا ما أُحْسِنَ استثمار طاقاتهم، وتوجيههم الوجهة الصحيحة. أما تجاهل نداءاتهم، والقصور في تلبية متطلباتهم، فيفضي إلى تراكم خبراتهم، وتبلدهم تجاه أدوارهم الوطنية. فإما أنّ نجعل منهم قوة دفع لعجلة التنمية، أو مصدر هدم لمنجزات المجتمع ومكتسباته. فإذا وصل حال الفتية إلى أقصى درجات اللامبالاة، فقد يكونون مصدر تهديد لأمن واستقرار البلاد، وإعاقة تقدمه وازدهاره.

لذا فإنّ المسؤولية المجتمعية تحتم على المؤسسات العامة والخاصة، البحث عن سُبل ناجعة للحفاظ على أهم أعمدة المجتمع، واحتوائهم من الوقوع في براثن اللامبالاة. وضرورة إيجاد حلول عاجلة؛ للارتقاء بالمؤسسات، نحو أداء حقيقي يحقق التوقعات، فضلًا عن الاستخدام الفاعل للموارد الوطنية، وصولًا إلى مستقبل يقوده الطموح، وفق التوجهات الإستراتيجية، للرؤية المستقبلية. فإن استشعر الجميع تلك المسؤولية، والعمل بتكاملية، في إطار من الشراكة والمواطنة الفاعلة، حينها نستطيع القول، إنّ بلادنا حقًا تتقدم بثقة للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة.

تعليق عبر الفيس بوك